وسواس التسوق

10/08/2013 09:07

قسر التسوق

أ. د. سامر جميل رضوان

يقصد بقسر التسوق الحاجة الملحة الدائمة أو المتكررة باستمرار غير القابلة للكبح من أجل الحصول على أشياء لا يحتاجها الإنسان، أو التي يمتلكها الإنسان بالأصل ويجمعها بلا معنى أو يهديها. و يتمحور الاهتمام بشكل خاص على الشراء بحد ذاته بحيث أنه مع الوقت لا يتزايد الشراء فحسب بل يصبح متمحوراً حول شراء الأشياء الأغلى. فإذا لم يعد هذا ممكناً فتظهر أعراض سحب نفسية بل حتى الجسمية أيضاً. أما الأسباب فيفترض أنها ذات طبيعة نفسية اجتماعية و يمكن أن تمتد حتى سنوات الطفولة. وفي الحالات البسيطة تساعد إجراءات المعالجة البسيطة، أما في الحالات الشديدة فيحتاج الإنساني إلى علاج نفسي واجتماعي، بل وفي بعض الأحيان علاج دوائي.

 

من الظواهر الخطيرة المهددة في عصرنا الراهن سلوك التسوق المستثار بالطبع من الإعلانات، الذي يمتد من التسوق الطائش إلى قسر الشراء المرضي. وعلى ما يبدو فإن الأمر يتعلق هنا "بوظيفية تنفيسية" أو "مكافأة ذاتية" على المشكلات و الضيق و الشقاء و الهم و الإحباطات من أنواع مختلفة. و في الحالة المتطرفة ينتهي الأمر بما يسمى التصرف النزوعي أو الاندفاعي كما يسميه علماء النفس. و قسر التسوق لا ينتمي بعد للتصرفات الاندفاعية حسبما يرى المتخصصون إلا أنه يهدد يوماً ما ليصبح ضمن هذه الفئة لأسباب عديدة منها لأنه يمثل أكثر أشكال التصرفات الاندفاعية.

 

ما هو قسر الشراء؟

في الواقع يحصل لكثير ممن يسمون بالأصحاء عيادياً أو نفسياً من الجنسين إلحاح شديد متكرر أو على أطوار للتسوق. و يشبه هذا الضغط قسر التسوق إلا أنه أقل درجة. ويعرف قسر      Oniomania  التسوق أو قسر الشراء  بأنه الحاجة الملحة الدائمة أو المتكررة باستمرار غير القابلة للكبح من أجل الحصول على أشياء لا يحتاجها الإنسان.

و من الصعب تقدير عدد الذين يعانون من قسر الشراء. ففي الولايات المتحدة يقدر العدد بحوالي 15 مليون إنسان و في ألمانيا نصف مليون. وتعاني النساء أكثر من الرجال ولكن هناك عدد كبير من  الرجال بهذا الاضطراب و إن كانوا يخفونه بشكل أفضل. ولا توجد أعمار محددة إلا أن الأشخاص في أواسط العمر يكونوا أكثر من غيرهم معرضين لذلك. و لا تلعب الحالة المادية للشخص دوراً في قسر الشراء.

 

و يبدو المجرى واحداً دائماً ويشبه غالبية التصرفات الاندفاعية؛ إذ ينمو في المعنيين بالتدريج الشعور بقسر داخلي شديد. ويصبحون متوترين وعصبيين و يندفعون فجأة إلى حد ما نحو أماكن التسوق. ويشترون أشياء لا يحتاجونها. و كثير منها يظل مكوماً في البيت من دون استخدام. والأمر الحاسم ليس القيمة الحقيقية للمواد التي تم شرائها وإنما تحقيق الرغبة بالشراء أو القسر المشبع للتسوق. وعندئذ تختفي المشاعر السلبية و ربما تظهر استجابة الغبطة euphoria، أي الشعور بمشاعر السعادة العارمة،  ولكن هذا لا يستمر طويلاً.  وهي سمة مميزة من سمات القسر: أي الإشباع قصير الأمد مع "الانتكاس" السريع نحو الحاجة القسرية من جديد.

و بعض الناس يخسرون أموالهم و يغرقون أنفسهم بالديون مما يقود إلى صراعات نفسية اجتماعية مقيتة و يؤدي في النهاية إلى الحلقة المفرغة، إذ أنه لا يتم دائماً شراء أشياء فحسب بل وغالية وحتى لو لم يكن المرء بحاجة إليها.

فإذا ما لم يعد الشخص قادراً على التسوق فتظهر عندئذ أعراض قد تصل إلى أعراض السحب الجسدية: فبعد "الإشباع" قصير الأمد والسريع، سرعان ما يصبح الشخص عصبياً و غير هادئ ومتوتراً و يشعر بالضيق و "الشعور بالاعتلال غير المحدد" وصولاً إلى اضطرابات نفسية جسدية ملموسة (وهي التعبير الجسدي للصراعات الجسدية غير المتمثلة، غالباً على أساس نقاط ضعف جسدية موجودة بالأصل)، وصولاً إلى انخفاض المزاج و أفكار الانتحار.

وأحياناً يظهر قسر التسوق على شكل أطوار بعد ذلك،  يصل في المراحل المتقدمة إلى أن يصبح غير قابل للتحكم. وبعض المعنيين الذين يستطيعون تصحيح أنفسهم يفضلون عندئذ الأوقات على الأقل التي لا يكون سلوكهم الملحاح واضحاً: التسوق قبل نهاية الإغلاق بدقائق، العروض الخاصة. إلا أن هذا "التقنين" لا يستمر لفترة طويلة، حيث يعود قسر التسوق و يعود المعنيون لعادتهم.

 

وبالنسبة لكثير من دوافع التسوق الملحاحة فإنها تقوم بوظيفة تنفسية" على ما يبدو لكل المشكلات من كل الأنواع. يضاف لإلى ذلك طبيعة  الحياة الاستهلاكية المعاصرة التي تواجه أطفالنا (فبدلاً من الاهتمام نقدم لهم الألعاب وبدلاً من المديح النقود).

وليس من النادر أن نجد مشكلات زوجية وأسرية ومهنية و مشكلات أخرى غير محلولة و يتم تحييدها من خلال قسر الشراء وإشباع دافع الشراء.

وبعض مدمني الشراء يظهرون استعداداً مقوى لتعكر المزاج الاكتئابي و اضطرابات القلق، وآخرون يبدون دائماً غير سعداء و يائسون ويعانون من مشاعر غير مستقرة لقيمة الذات. وليس من النادر أن يتم إعادة إهداء ما تم شراءه بشكل قسري بسرعة لأفراد الأسرة و الأصدقاء والزملاء. وعلى ما يبدو فإن التسوق هنا ليس بهدف إسعاد الذات أو لتحقيق التخفيف وإنما من أجل استثارة حسد الآخرين.

ومن جانب المعالجين النفسيين فإنهم غالباً ما يجدون أن هذا السلوك يرجع إلى "صدمات نفسية"  قد تمتد جذورها إلى الطفولة. ويحتل تأثير الوالدين دوراً مركزياً، فهم إما أن يكونوا قد أهملوا أطفالهم انفعالياً، وصولاً إلى الرفض أو أن يكونوا قد  أضروا بنمو استقلاليتهم من خلال فرط الرعاية  و من ثم جعلوهم غير قادرين على الحياة. ولدى عدد غير قليل من هؤلاء الضحايا لم يكن هناك اهتمام بآرائهم و قدراتهم و مشاعرهم  و من ثم لم يتمكنوا من تطويرها. لدى آخرين كان هناك تفضيل للأخوة الآخرين. وكذلك الأطفال الذين أسيئت  معاملتهم جنسياً قد يعانون لاحقاً من قسر الراء,

ولا يوجد حتى الآن علاج هادف لقسر التسوق، على الأقل رسمياً. والأفضل بالطبع هنا هو الوقاية، أي طفولة ويفوع مشبعين. وإذا كان لا حقاً لا بد من العلاج فمن الأفضل تطبيق برنامج علاجي متكامل كما ينصح في كل الاضطرابات النفسية الأخرى,

وينصح الخبراء بالقيام بالخطوات التالية كإجراء مباشر ضد قسر التسوق:

  • سحب كافة بطاقات الإتمان
  • التسوق بدفع النقود مباشرة لأنها يمكن أن تحدث تأثير صدمة شافية.
  • عدم التسوق بشكل أساسي في ما يسمى بالأوقات المموهة من نحو تصفيات نهاية الموسم، عروض خاصة،قبل الأعياد...
  • إخراج كل ما هو مشترى مرتين أو ثلاثة من أماكنه وتعليقه أمام النظر ليحدث صدمة.
  • وفي مقتضى الحال وضع قائمة شاملة لمثل هذه المواضيع وحملها باستمرار.  
  • كل هذا عندما يكون الإنسان مهدداً بنوبة من قسر الشراء وشراء أشياء متكررة.

وهذه وتلك من النصائح يمكن للمرء أن يعرفها في مجموعات المساعدة الذاتية. فهناك يمكن للإنسان أن يلاحظ بأن الإنسان ليس لوحده بقسر شراءه و يلتقي هناك المرء بالخبراء الحقيقيين الذين يستطيع المرء الاتصال بهم إذا ما كان واقعاً تحت تهديد قسر الشراء من جديد.

وإذا كان لا بد من العلاج فإنه لا بد وأن يكون مركباً من العلاج النفسي المتمركز حول المتعالج أو العلاج السلوكي  أو التحليلي النفسي، ومن التصحيحات والمساعدات العلاجية الاجتماعية ومن إدارة الذات و الإرشاد الأسري....الخ.

وتتم مؤخراً مناقشة أدوية محددة، ما يسمى بكابحات إعادة قبض السيروتونين SSRI  والناقل العصبي السيروتونين يلعب دوراً مهماً في كثير من الوظائف والأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق و القسر واضطرابات الطعام وكذلك في مجموعة من التصرفات الاندفاعية.

وفي الاكتئابات فإن هذه مصنفة كأدوية مضادة للاكتئاب لأنها منذ سنوات طويلة لا يمكن الاستغناء عنها. وفي الاضطرابات النفسية الأخرى غالباً ما يتم استخدامها

والتصرفات الاندفاعية أو النزوعية هي عبارة عن تصرفات جارفة  وطائشة كنتيجة لضغط أو إلحاح غير قابل للسيطرة لا يستطيع المرء أن يقاومه إلا بصعوبة. ومن أشكالها:

  • هوس السرقة Kleptomania : وهو الحاجة المفاجئة والمتكررة غالباً لسرقة أشياء لا قيمة لها و لايحتاجها الإنسان بالفعل.
  • هوس الحرائق Pyromania : الإلحاح الشديد نحو إشعال الحرائق.
  • هوس نزع الشعرTrichotillomania : وهو الإلحاح الشديد لنزع الشعر مع فقدان ملحوظ للشعر.
  • اللعب المرضي (القمار): الإلحاح الشديد والمتكرر و المكثف و غير القابل للسيطرة نحو اللعب على الرغم من العوائق المادية والاجتماعية.
  • الاضطراب الانفجاري المتقطع intermitted explosible Disorder : الفشل المتكرر في مقاومة النزوعات العدواني ، الأمر الذي يقود إلى أعمال عنف خطيرة أو اضطرار مادية.
  • دافع التجميع: جمع أشياء لامعنى لها.
  • الشرود Poriomania عمال أأ: الهروب أو الشرود القسري .
  • الكحال dipsomania: القسر الذي لا يقاوم لتناول المشروبات الكحولية
 

 

للخلف