التعاطف في العلاج النفسي

25/11/2018 18:48

 

التعاطف في العلاج النفسي 

أ.د. سامر جميل رضوان

التعاطف كمفهوم مستخدم داخل إطار العلاج النفسي أو مشتق من هذا الإطار له معنى محدد، ومن هنا فهو مختلف عما يمكن أن نقصده أو نفهمه، مع أننا يمكن كثيراً أن نمتلك هذه المهارة ونمارسها كخاصية شخصية دون أن نكون قد عرفنا المعنى العلمي التعاطف (أو التفهم المتعاطف).  

فالتعاطف هنا يعني بنوع من التقريب، أن يسعى الإنسان نحو فهم خبرات ومشاعر الآخر بدقة وحساسية، أي أن ينظر للأمر بعيون الآخر، أو كما يقولون أن يضع نظارة الآخر فوق عينيه ويرى من خلالها، أن يدخل في أعماقه، ويعيش في عالم الآخر كما لو كان في بيته.  وهذا يعني أن يحس الشخص بدقة بالمشاعر والأهمية الشخصية التي يعيشها الآخر وأن يوصل له هذا الفهم، أو يجعله يشعر أنه ينظر للأمور بمنظوره هو. فإذا نجح الإنسان بهذا بأكبر قدر ممكن فإنه يكون قد أصبح يعيش في العالم الداخلي للآخر إلى درجة أنه لا يعود يستطيع اكتشاف المعنى الشعوري فحسب وإنما ذلك المعنى الكامن خلف مستوى الشعور. كما ويعني التفهم المتعاطف الحفاظ على مسافة معينة. علينا في كل مرة نكون متعاطفين فيها ألا ننسى أننا لسنا نحن الآخر. علينا أن نعيش الحالة وكأننا الآخر فعلاً دون أن ننسى أننا لسنا الآخر. إذ أنه لو أصبح الإنسان مثلاً يرى إشكالية الآخر من خلال نظارات الآخر فقط، فلن يكون قادراً على رؤية جوانب أخرى. على دائماً أن أشعر أن مشكلة الآخر وكأنها مشكلتي ولكن دون أن أنسى أنني لست الآخر. وهذا بالذات هو الذي يحميني كشخص من يستغلني الآخرون أو أن أستغل الآخرين.

وأحياناً قد يصل الأمر إلى حد النفاق عندما يحاول الآخر، من خلال قدراته التعاطفية معنا استغلالنا لتحقيق أغراض شخصية أو يقحمنا بأشياء نحن لا نريدها. والعكس أحياناً فقد يؤدي تعاطفنا مع شخص آخر إلى أن يحاول ابتزازنا أو استغلالنا فلا يميز بين الحدود التعاطفية والحدود الأخرى. فأنا مثلاً قد أتعاطف مع شخص واقع في ضائقة مادية، وتعاطفي معه يفتح إمكانات كبيرة تساعده في البحث عن حلول لمشكلته، إلا أني لست مجبراً إلى حل مشكلته عنه، خصوصاً إذا لم أكن قادراً، أو كان الأمر فوق طاقتي، وهذا هو المقصود أن أعيش المشكلة وكأنها مشكلتي دون أن أنسى أنها ليست مشكلتي، كي لا أصبح أنا مشكلة بدلاً من أن أكون مساهماً في الحل.

في بعض الأحيان (وهذا ما يشبه النفاق الاجتماعي)، يشتغل بعض الناس قدرتنا التعاطفية التي قد لا نلاحظها نحن في أنفسنا، بل الآخر هو الذي يلاحظها، لتحقيق مصالح ذاتية. وخصوصاً إذا لامس فينا أشياء نفتقدها أحياناً. فالمسألة متبادلة، فقد يستغل شخص قدراته التعاطفية لاستغلال الآخرين أو أن المتعاطف معه قد يستغل الذي يتعاطف معه لتحقيق غايات شخصية.

وعلينا التمييز هنا في أي مجالات من الحياة يكون تعاطفنا مطلوباً ومتى يكون غير مطلوب. فتعاطف القاضي مع الدوافع التي دفعت المجرم لارتكاب جرم ما أمر، ولكن هذا التعاطف لا يعني أن على القاضي أن يخرق القانون، فالتعاطف هنا غير مطلوب، بل وضار. وكذلك لو أن شخص ما خالف قانون المرور مثلاً، فقد يتعاطف الشرطي معه كونه تأخر عن العمل مثلاً، ولكن هذا لا يعفيه من تحرير مخالفة له لأنه خالف القانون وعرض حياة الناس للخطر، وعليه في المرة القادمة أن يخرج أبكر إلى عمله. ومسألة التمييز هنا مهمة لأن الخيط الذي يفصل بين هذه الحالات دقيق. فالتعاطف مع رسوب الطالب في الامتحان أمر، وجعله ينجح دون أن يستحق شيء آخر. التعاطف مع فتاة تشعر أنها بحاجة لزوج، لا يعني أنني مثلاً أقدم لها نفسي أو زوجي، لحل المشكلة أو لأتعاطف معها. 

نحن بحاجة دائماً للتعاطف والآخرون بحاجة لتعاطفنا. فالعلاقات الإنسانية الحميمية تقوم على هذا الأساس، بين الأصدقاء، والأحبة، والأزواج...الخ. فبدون التعاطف لا يمكن أن تنشأ مثل هذه العلاقات على أسس سليمة. أننا ننجذب لأشخاص أو ننفر من أشخاص نظراً لدرجة إحساسنا أنهم يفهموننا ويؤيدون وجهات نظرنا، حتى لو لم يتبنوها هم أنفسهم. إنه ذلك الفهم المشترك الذي تقوم على أساسه العلاقات الإنسانية. وهي عادة ما تكون تعاطفات بين المتساويين.

ولكن في حالات الأزمات بالتحديد تنشأ الحاجة الشديدة أكثر لتعاطف الآخرين معنا. وفي حالات الأزمات (أو في حالات وجود نقاط ضعف كبيرة، قد نكون بحاجة للتعاطف بأي ثمن. وبالإضافة إلى ذلك فنحن في حالات الأزمات والضعف، نكون أقرب لحالة من تشوش الرؤية، فلا يكون لدينا قدرة كبيرة للتمييز بين التعاطف الحقيقي وغير الحقيقي. وقد نندفع أحياناً لقبول ما هو معروض علينا دون تفكير معمق. وهذا هو مكمن الخطورة في مستغلي التعاطف. وقد نقع ضحية دون أن ندري، وقد لا نكتشف الأمر إلا بعد زمن. 

للخلف