علم نفس الأطفال الإكلينيكي - الاضطرابات النفسية في سن الطفولة والمراهقة

علم نفس الأطفال الإكلينيكي - الاضطرابات النفسية في سن الطفولة والمراهقة

من الكتاب

  1. علم النفس المتخصص بطب الأطفال

-مجال عمل في طور التطوير-

"طب الأطفال السلوكي"[1]

منذ  حوالي ثلاثة عقود (ثمانينيات القرن العشرين) من الزمان يلاحظ حدوث تقارب بين طب الأطفال وعلم النفس العيادي. فمن خلال "علم النفس المتخصص بطب الأطفال Pediatric Psychology"  يمتلك هذا العلم في البلدان الأنجلوأمريكية تقاليد طويلة وتطلق عليه تسمية "طب الأطفال السلوكي" Behavioral Pediatric. فالعدد المتزايد من الأطفال المرضى بصورة مزمنة يضع طب الأطفال أمام تحديات جديدة. ونمو هذه المجموعة من المرضى غير ناجم بالأصل عن الارتفاع الطبيعي في نسبة الأمراض بقدر ما هو ناجم عن التقدم الطبي على سبيل المفارقة. فالنجاحات الكبيرة في العلاج قد تمكنت من الحفاظ على حياة الكثير من المرضى بأمراض كانت قبل عهود تنتهي بالموت، غير أن الثمن كان استمرار وجود مرض مزمن. وفي حين أنه في صور أمراض كالسرطان الذي يحدث في سن الطفولة واليفوع أو أمراض القلب الولادية القابلة للعلاج الجراحي يمكن تحقيق الشفاء بعد طور من المرض المزمن وكذلك في الأمراض التي يستفحل مجراها بصورة مستمرة كالتليف الكييسي والأمراض العضلية العصبية (قارن نويهويزر في هذا الكتاب) أو حتى عدوى مرض نقص المناعة المكتسب، فإنه يمكن لاستراتيجيات العلاج المحسنة أن تطيل بالتدريج توقعات الحياة عند المرضى، بينما تبدي مجموعة أخرى من الأمراض المزمنة مجرىً مستمراً أو فقيراً بالأعراض ويمكن أن تنتقل بصورة حادة إلى حالات من التأزم شديدة التهديد. ويمكن هنا كمثال ذكر الربو الشُعَبي Asthma bronchial  و السكري Diabetes Mellitus  و الناعور Hemophilia  والصرع Epilepsy والإعاقة العقلية (من نوع الفينيلكيتون يوريا [2]Phenylketonuria)، والحساسية الجلدية العصبية Neuro dermites والتهاب المفاصل المزمن عند اليافعين Juvenile Chronically Arthritis وكذلك القصور الكلوي مع وجوب الديلزة Dialyze .

و تتألف استراتيجية العلاج في هذه الصورة المرضية من توليف يتكون من الوقاية الدائمة (أو أدوية أو حمية أو إضافة حجر بناء استقلابي ناقص من الخارج) ومن استراتيجية تأثير في الأزمة متناسبة مع الخطر في حال حدوث خلل في الاستقلاب. ومثل هؤلاء المرضى يمكنهم في هذا الأثناء أن يأملوا بتوقع حياة يمتد ليصل إلى سوية السكان الأصحاء. إلا أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا أصبحت إجراءات المعالجة الوقائية المتكررة جزءاً دائماً من الحياة اليومية. وعندما يتم التمكن من تطويق تفاقم الصورة المرضية الذي يحدث بصورة عفوية من خلال التوجيه المضبوط والمسيطر عليه ذاتياً. بالإضافة إلى كفاءة التأقلم القائمة على العلاج بصورة مباشرة.

   وعلى المريض المزمن اليافع وأسرته أن يواجه إرهاقات المرض المتنوعة والشديدة في المجال النفسي الاجتماعي (لجنة الأطفال المعاقين ولجنة الوجوه النفسية الاجتماعية لصحة الطفل والأسرة Committee on Children with Disabilities and Committee on Psychosocial Aspects of Children and Family Health )

وحسب مستوى المعرفة الراهن يمكن أن يوصف المنشأ المرضي لغالبية صور الأمراض المزمنة بصورة كافية من خلال المصطلحات الطبية البيولوجية. ويمكن بصورة خاصة لظهور المرض في العادة بمساعدة نماذج التفسير العضوية أو على الأقل أن يوضح بصورة فرضية مقنعة، تلك النماذج التي تستبعد العوامل النفسية في التطور المرضي. وعلى العكس من المبدأ النفسي الجسدي التقليدي فإن علم نفس الأمراض المزمنة يلفت النظر باتجاه التأثير العكسي، إي إلى العواقب الاجتماعية والنفسية لصور الاضطرابات الجسمية:

  • تشكل الأمراض الجسدية المزمنة عند الأطفال خطراً على الاضطرابات النفسية الثانوية أو على اضطرابات السلوك الثانوية التي تتطلب مبدأ علاج مصمم بصورة مشتركة بين التخصصات (لجنة الأطفال المصابين بالسكري).
  • تؤثر نوعية التأقلم مع المرض والاستعداد للتعاون في العلاج (المطاوعة [3]Compliance) على الحالة العضوية للمرض، إما بصورة متفاقمة أو مخففة. وقد أمكن إثبات مثل هذه التأثيرات على سبيل المثال بالنسبة لمستوى السكر في الدم عند مرضى السكري، وقيم وظائف الرئة عند المرضى اليافعين بمرض التليف الكييسي الرئوي وفي الربو. وبهذا يتعلق التنبؤ طويل الأمد لمجرى المرض الطبي العضوي بنوعية التأقلم مع المرض أيضاً، حتى أنه يمكن أن يرفع من نسبة الموت

 

  1. التعريف والجائحة والتصنيف
    1. تعريف وتحديد الأمراض المزمنة

من الصعب وضع حدود واضحة بين الأمراض المزمنة والأمراض الحادة، ذلك أنه يمكن للأمراض المزمنة أن تقود أيضاً إلى أزمات تحتاج إلى العلاج بصورة حادة. ومن ناحية أخرى يمكن للأمراض المزمنة أن تترافق مع فقدان وظيفي مستمر تبرر إطلاق صفة الإعاقة. وهذه هي الحال في الأمراض التهدمية و العصبية والشلل الدماغي (قارن نويهويزر في هذا الكتاب). كما أم أمراض كالسكري أو سرطان الدم تحصل من المنظور القضائي الاجتماعي على صفة الإعاقة الشديدة. بالإضافة إلى ذلك يمكن النظر إلى صور الأمراض النفسية في الطفولة واليفوع من منظور الإزمان Chronification. غير أننا هنا لن نأخذ هذه الأمراض بعين الاعتبار وسوف يقتصر مفهوم "الأمراض المزمنة" على الأمراض الجسدية. ويرى بيرين وآخرون Perrin et al. معيارين رئيسيين كعاملين أساسيين لوجود مرض مزمن: أن تبلغ مدة المرض 3 أشهر على الأقل وأن يمتلك تأثيرات كبيرة على الصحة الفيزيونفسية للطفل. وقد اقترح شتاين و لآخرون مؤخراً تعريفاً للأمراض المزمنة تحتل فيه الأمراض المزمنة العواقب الاجتماعية النفسية للمرض والارتباط بمساعدة متخصصة دائمة مركز الصدارة (قارن الإطار).

سمات تعريف مرض مزمن (شتاين وآخرون):

  •  وجود سبب بيولوجي أو نفسي للاضطراب،
  • المدة سنة على الأقل،
  • وجود واحد من التأثيرات التالية على الأقل:
  1. تقييدات وظيفية لنشاطات الحياة اليومية والإدارة الاجتماعية مقارنة بالأتراب الأصحاء في مجالات مجرى النمو والنضج الاجتماعي والانفعالي والمعرفي والجسدي؛
  2. الاعتماد على إحدى المساعدات التالية:
    1. الأدوية، حمية خاصة، مواد طبية مساعدة،
    2. إدارة أو توجيه شخصي،
    3. تمتد الحاجة للدعم الطبي-التمريضي أو التربوي النفسي إلى أبعد من المقدار المألوف بالنسبة للعمر.
 
  1. انتشار الأمراض المزمنة

توجد دراسات كبيرة عدة تجيز لنا تقديم معطيات حول:

  • تكرار الأمراض المزمنة بين الأطفال واليافعين (الانتشار)
  • ونسبة صور الأمراض النفسية الإضافية عند وجود مرض جسدي (الاختلاطية Comorbidity).

ويمكن لنتائج هذه الدراسات أن تتغاير بصورة كبيرة. ومن بين أساب هذا التغاير هو الاختلاف في اختيار مجموعات المرضى وعن فروق في المجموعات المدروسة وتمثيلها أو مصدر المعطيات (الوالدين أم تقييمات ذاتية أم النتائج الطبية). وعليه فقد تمكن كومباس وآخرون Compas et al. من إثبات أن تقديرات الاضطرابات السلوكية عند الأطفال التي تستند إلى المقابلات مع الأمهات ترتبط بشدة الشذوذات النفسية للأم. وتتغاير معطيات تكرار الأمراض المزمنة بين الأطفال واليافعين من 31% عند التحديد الأقصى لمفهوم "المرض المزمن" وصولاً إلى حجم واقعي يبلغ حوالي 10%. وقد أسفرت المعطيات الأمريكية للمسح التفصيلي الممثل للصحة القومية National Health Inventory Survey  التي أمكن الحصول عليها من أكثر من 11000 طفل في السن الواقعة بين 4-7 سنوات أسفرت عن قيم التقدير المعروضة في جدول (1):

 

 

جدول (1): الانتشار المقدر للأمراض المزمنة في سن الطفولة

المرض

الانتشار ضمن كل 1000

  • التهاب المفاصل
  • الربو الشعبي
  • التليف الكييسي (مرض استقلابي وراثي يتصف بإنتاج مرتفع للسوائل في الرئتين بصورة خاصة)
  • السكري
  • الصرع
  • أمراض الجهاز المعديمعوي (مرض كرون، تقرح القولون)
  • أمراض الأذن و الأنف والحنجرة
  • خلل في الأعضاء (نتيجة حادث مثلاُ)
  • أمراض قلبية (مرض قلب ولادي مثلاً)
  • إعاقة جسدية
  • أمراض السرطان (مثل اللوكيميا، الورم اللمفاوي، سرطان خبيث)
  • أمراض عظمية (ضمور العمود الفقري، قدم قفداء)
  • إعاقات الحواس
  • عيب بصري
  • عمى
  • عيب سمعي
  • صمم
  • فقر الدم (مرض الكريات الحمراء)
  • شلل دماغي (كالشلل التشنجي مثلاً)

4.3

29.3

 

0.3

1.0

3.0

1.6

0.4

 

0.4

1.2

0.7

19.4

0.6

 

 

9.6

 

 

8.4

3.3

6.1

5.4

0.9

0.9

 

مجموع المجموعات المرضية التسع عشر

86.0

 

 

  1. انتشار اضطرابات السلوك لدى الأطفال المرضى بأمراض مزمنة

منذ عقود ثلاثة من الزمان (سبعينيات القرن العشرين) تم إجراء عدد كبير من الدراسات التي تسأل عما إذا كان الأطفال المرضى بأمراض مزمنة يميلون أشد من أترابهم الأصحاء إلى تنمية اضطرابات نفسية. وقد توصلت هذه الدراسات إلى معطيات غير موحدة. وسبب هذه التكرارات المتأرجحة يتعلق بماهية مفهوم الاضطراب النفسي الذي يوصف في كل دراسة وبنوعية الكواشف أو المؤشرات  Indicators التي تم فيها ضبط اضطرابات السلوك المطابقة إجرائياً. وطبقاً لمدى ضيق أو اتساع المعايير التي حددت لوجود اضطرابات في السلوك تقل أو تزداد نسب الانتشار. وتستند الدراسات في العادة إلى أحد مفاهيم الاضطرابات التالية:

  • الاضطراب المرضي النفسي مع قيمة مرضية: في الدراسات التقليدية لسبعينيات القرن العشرين  اعتبر وجود تشخيص مطروح من قبل متخصص نفسي كمعيار.
  • الاضطراب النفسي وفق معايير منظومات التصنيف الحديثة متعددة المحاور الدي أس أم الرابع DSM-IV و الآي سي دي العاشر ICD-10: وتتم هنا دراسة الاضطرابات من خلال إجراءات تشخيص حديثة طورت من أجل مسائل الطب النفسي في الطفولة والمراهقة. وترتفع مؤخراً أصوات ناقدة تحذر من استخدام مثل هذه الاختبارات عند الأطفال الذين يعانون من مرض مزمن.
  • اضطرابات التلاؤم (اضطرابات التكيف): يستخدم هذا المفهوم من أجل التأكيد على  الارتباط الوثيق لاضطرابات السلوك عند الطفل من أجل نجاح قدرات التلاؤم الضرورية مع المرض المزمن. فإذا ما ظهرت في الدراسات على سبيل المثال تضررات فوق المتوسط لقيمة الذات أو مستوى مرتفع من القلق عندئذ يتم تقييم هذا على شكل قدرة تلاؤم غير كافية مع المرض المزمن فإذا ما أمكن استنتاج وجود شذوذات مطابقة عند أفراد آخرين من الأسرة يتم عندئذ الحديث بطريقة مشابهة عن اضطرابات تلاؤم أسرية.
  • المواجهة النفسية الاجتماعية للمرض: تضع مجموعة من الدراسات مقدار الإرهاقات المرضية و المتطلبات من خلال نظام العلاج ونوعية مواجهة المرض في المقدمة. وبهذا يتم التوكيد على التهديد المستمر وتأثيرات الإرهاق الكبيرة على أساس من سيرورة Process المرض. ومن خلال هذا المبدأ يهدف إلى تجنب النظر للطفل المريض بصورة مزمنة من زاوية تتمركز حول الاضطراب بدرجة كبيرة التي تضيع فيها عوامل المحيط الشديدة المعطاة من أمام النظر. وبالضرورة يتم هنا تفصيل نماذج نظرية نشأت من علم النفس النمائي "السوي" وعلم نفس الإرهاق ونظرية التعلم الاجتماعية المعرفية وليس من علم النفس المرضي. ووفقاً لدراسات للدراسة التقليدية ذات الاتجاه المرضي النفسي لروتر وآخرون Rutter et al. تبلغ نسبة انتشار الاضطرابات النفسية عند الأطفال واليافعين في إطار مرض مزمن 17%. وتختلف هذه النسبة بوضوح في مجموعة ضابطة من الأتراب الأصحاء جسدياً (7%). وقد أمكن إثبات هذا الخطر المرتفع بين المرتين حتى الثلاثة في دراسات حديثة. ويظهر هذا الخطر بغض النظر عن السمات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية. إلا أنه وفق دراسة أمريكية واسعة يتغاير سلوك الإقبال على الخدمات الطبية وفق معايير عرقية.

 

  1. عوامل خطر إضافية لنمو اضطرابات السلوك

أمكن تجريباً إيجاد عوامل مختلفة ترفع من خطر اضطرابات السلوك:

  • الفروق الجنسية: لا توجد فروق جنسية كبيرة فيما يتعلق بالتكرار إلا أن الذكور يظهرون اضطرابات سلوك أقرب للمكشوفة في حين أن البنات يظهرن اضطرابات سلوك أقرب للمغطاة (غير المكشوفة). ومع التقدم في العمر تذكر الأمهات وجود صراعات تعلق أشد و صعوبات في وضع الحدود التربوية.
  • الوظائف العقلية والمزاج: تزداد اضطرابات السلوك شدة إذا ما توافق المرض الجسدي مع إعاقة أو عندما يصاب الجهاز العصبي المركزي من خلال المرض الجسدي. ويخفض مستوى الذكاء المرتفع لدى الطفل من الخطر. بالمقابل يرفع المزاج الانفعالي من خطر اضطرابات السلوك.
  • شدة درجة المرض: في عام 1971 استنتج كل من بليس ورومانPless & Roghman في مراجعة تقليدية وجود ارتباط بين شدة درجة المرض المزمن واضطرابات السلوك. وقد أظهر تقرير روشيستر لصحة الطفل Rochester Child Health Survey الذي أجري في ولاية نيويورك أن 20% من الوالدين قد خبروا تأثيراً سلبياً بوضوح للأمراض المزمنة على السلوك والصحة النفسية للطفل. كما أن الدراسة قد استخدمت تقديرات السلوك للمعلمين وتقييمات ذاتية للأطفال. وهذه أظهرت أن مقدار شذوذات السلوك يترافق بصورة مستمرة مع شدة درجة المرض الجسدي. وأبدى الجزء من الأطفال الذين يعانون من تضررات في قيمة الذات والعلاقات الاجتماعية ميلاً متزايد الارتفاع من خلال المجموعات الأربعة التالية:
    • الأطفال الأصحاء جسدياً
    • الأطفال المرضى بمرض مزمن بدون تضررات وظيفية
    • الأطفال الذين يعانون من مرض مزمن أخف ولكن مع وجود تقييدات وظيفية
    • الأطفال الذين عانوا من مرض مزمن بدرجة شديدة الوضوح.

كما تمكنت دراسة واسعة American National Health Inventory Survey  من إثبات أن الدرجة العالية الشدة من الصورة المرضية عند الأطفال الذين يعانون من الربو تترافق مع تقييدات وظيفية شديدة ومع خبرات إرهاق مكثفة.

  • خصوصية المرض الأساسي: كان شتاين و جيسوب Stein & Jessop قد تمكنا من إثبات عدم وجود علاقة واضحة بين أمراض أساسية جسدية معينة واضطرابات خاصة من السلوك مترافقة معها. وقدما لذلك تفسيراً يقول بأن الأطفال يعيشون إرهاقات وجودية متشابهة بالمقارنة بغض النظر عن أمراضهم المختلفة، التي تعتبر أهم وزنا من خصوصيات المرض المعني. ويمكن لصور الأمراض الجسدية التي تظهر غير متجانسة من المنظور الطبي أن تقود إلى إرهاقات قابلة للمقارنة من الناحية النفسية إذا ما تقاطعت مع بعضها في بعض الأبعاد الثلاثة التالية:
  • إدراك المرض مقابل عدم إدراكه،
  • درجة تهديد الحياة،
  • وجود إعاقة جسدية أو حركية،
  • مقدار الحاجة الراهنة أو المتوقعة في المستقبل للرعاية،
  • الفقدان المعرفي من خلال تضررات الجهاز العصبي المركزي.

          وقد توصلت دراستان إحداها لواليندر و آخرين Wallender et al.  على ستة مجموعات من المرضى (السكري، Spina bifida[4] والناعور و الوزن الزائد المزمن  والتهاب المفاصل والشلل الدماغي) والأخرى دراسة شتاينهاوزن على مجموعات أربع من الأطفال المصابون بأمراض مزمنة (تليف كييسي، ربو شعبي، تقرح قولوني، مرض كرون). بصورة متطابقة إلى نتيجة مفادها أن التصنيف الطبي المرضي للأمراض ليس مؤشراً حاسماً لمقدار ونوع اضطرابات السلوك. وقد قام لافاين و فير-روتمان Lavigne & Faier-Routman بمقارنة النتائج التي حصل عليها من 87 دراسة مختارة حول مجموعات مختلفة من الأمراض المزمنة وتوصلوا إلى ما يلي:

  1. يخضع الأطفال بأمراض جسدية مزمنة إلى خطر مرتفع بوضوح لتنمية اضطرابات السلوك. ويمكن للمواجهة غير الكافية للمرض أن يبرر لدى جزء من الأطفال طرح تشخيصات نفسية بالمعنى الضيق إلا أنه بالنظر للحالة الفردية فإن هذه التأثيرات السلبية ليست حتمية. ومن أجل التقدير الدقيق لهذا الخطر تعتبر سمات المجرى ودرجة الشدة وعوامل الخطر الإضافية ذات قيمة تنبئية.
  2. وفقاً لأحكام المعلمين يتعلق الأمر هنا باضطرابات غير واضحة أكثر من الاضطرابات الواضحة. ولا تستطيع تقديرات الوالدين دعم هذه النتيجة.
  3. يظهر ميل لوجود تضرر في مفهوم الذات وذلك بصورة متعلقة باختيار مجموعات الضابطة.
  4. الآثار الأشد تنتج في الاضطرابات العصبية والإعاقات الجسدية.

 

  1. تصنيف اضطرابات السلوك في إطار الأمراض الجسدية المزمنة

أثبت إدخال منظومات التصنيف العالمية الراهنة الآي سي دي العاشر ICD-10 و الدي أس أم الرابع DSM-IV  نفسه بأنه ملائم بشكل خاص من أجل التصنيف التشخيصي التفريقي للاضطرابات النفسية في الأمراض النفسية الجسدية. ويظهر التقدم بصورة خاصة في الفئات التي طورت بصورة خاصة لصور الأمراض في سن الطفولة واليفوع. 

 

  1. التصنيف وفق الآي سي دي العاشر ICD-10:

تحظى الخصائص المستندة إلى النمو في الآي سي دي العاشر ICD-10 الفصل الخامس على سبيل المثال بمراعاة خاصة وذلك من خلال المقاطع الخاصة بالطب النفسي عند الأطفال واليافعين F8 (اضطرابات النمو) أو F9 (اضطرابات سلوكية واضطرابات انفعالية في بداية الطفولة واليفوع). وتؤخذ بشكل خاص ظاهرة إختلاطية الشذوذات النفسية بالارتباط مع صور الأمراض الطفولية بالحسبان بصورة أكبر. وتوجد في الآي سي دي العاشر ICD-10 إمكانية تشفير الصورة الجسدية إلى جانب تشفير الاضطرابات النفسية في إطار الفصل الخامس (V) استناداً إلى المقاطع الأخرى المطابقة في الآي سي دي العاشر ICD-10. ففي الفصل السادس (VI)على سبيل المثال تم تصنيف (أمراض الجهاز العصبي المركزي) تحت الكود G40 (الصرع)، أو تحت G43 الشقيقة. وفي الفصل الحادي عشر (XI) (أمراض جهاز الهضم) التي صنفت على سبيل المثال تحت K58x القولون المتهيج (مرض معوي وظيفي). وتتيح هذه الإمكانية في تصنيف الأمراض المزمنة  والاضطرابات النفسية في الطفولة واليفوع بصورة متوازية الميزة الخاصة المتمثلة في عدم وجوب تخفيض الصورة العيادية بصورة أحادية إلى تسبيب نفسي المنشأ أو تسبيب حدسي المنشأ. وفي حالة أنه لا بد من وزن مظاهر المرض العضوي أو مظاهر المرض النفسي بشكل خاص يرى الآي سي دي العاشر ICD-10 استخدام تشخيص رئيسي وتشخيص جانبي وتشخيص إضافي. وهنا تتصدر الصورة المرضية المحتاجة للعلاج بصورة سريعة مكان الصدارة. إلا أنه توجد في كثير من الأمراض المزمنة في سن الطفولة تضررات في الإحساس الجسدي والنفسي و شذوذات السلوك، التي تتجلى إلى حد ما على شكل مواجهة غير كافية للمهمات النمائية المميزة للسن، ولكنها ما زالت غير مالكة لقيمة اضطراب نفسي بالمعنى الضيق. وفي مثل هذه المواقف يقدم الآي سي دي العاشر ICD-10 فئة F45  (عوامل نفسية أو عوامل سلوكية في أمراض مصنفة في مكان آخر). فالطفل الذي يعاني من الربو على سبيل المثال الذي تنمو لديه عند ظهور نوبة ضيق تنفس نوبة هلع يمكن بالإضافة إلى تشفير مرضه الأساسي الربو (كود رقم J45.9) أن يصنف بمساعدة هذه ضمن الكود رقم F54.

 

  1. التصنيف في الدي أس أم الرابع DSM-IV

وبطريقة أكثر تفريقية يمكن من خلال الدي أس أم الرابع DSM-IV تضمين شذوذات السلوك الواقعة تحت قيمة مرضية نفسية ضمن طرح التشخيص. فإلى جانب تشفير المتلازمات النفسية العيادية (المحور I) واضطرابات النمو واضطرابات الشخصية (المحور II) و الاضطرابات والحالات الجسدية (المحور III) يمكن على المحورين الآخرين القيام بتحديد مستوى التلاؤم النفسي. ومن أجل ذلك يتم على المحور الرابع IV تدريج مستوى الوظائف النفسية الاجتماعية أي تقييم التلاؤم النفسي مع الأضرار الناجمة عن المرض الجسدي. فالمحورين الرابع والخامس يستخدمان إذاً عند أولئك المرضى اليافعين الذين يعانون من مرض جسدي مزمن الذين يرتبط المرض لديهم بعوامل إرهاق واضحة وصعوبات تلاؤم إلا أنها لا تحقق بصورة كافية سمات الاضطراب العيادي بمعنى المحور الأول (I).

 

  1. حسنات المبدأ متعدد المحاور

يقتصر تشخيص الأمراض المزمنة حسب معطيات الدي أس أم الرابع DSM-IV و الآي سي دي العاشر ICD-10 على تمثل الوضع النفسي و الجسدي الراهن بصورة وصفية. ويطلب فيهما وضع مقولات حول أسباب النشوء. ومثل هذا التحفظ النشوئي مقبول في الأمراض المزمنة بالتحديد، إذ أن صورة الحالة الراهنة هي دائماً نتيجة سيرورة Process متعددة العوامل طويلة الأمد. وبمساعدة مثل هذا النوع من التشخيص متعدد الأبعاد يمكن تخفيض نشوء الاضطراب بصورة أحادية الجانب إلى الجزء الطبي أو النفسي أو إلى عوامل نشوء نفسية جسدية أو جسدية نفسية.

 

 

  1. وصف الاضطرابات ومبادئ التفسير

تحتل في هذا السياق  نماذج التأقلم مع المرض التي صممتها مجموعة عمل لازاروس مركزاً متقدماً. وتقوم هذه النماذج على تقاليد علم نفس تمثل الإرهاق ونظرية العلم المعرفي-الاجتماعي (باندورا). ووفق هذه الرؤية يتعلق خطر اضطراب السلوك نتيجة مرض مزمن بصورة حاسمة بمدى النجاح الذي يتمكن فيه الطفل وأسرته من مواجهة إرهاقات المرض ومتطلبات العلاج. وهنا تدعم معطيات دراسات الخطر التجريبية ونماذج تفسير أبحاث المواجهة بعضها بصورة متبادلة. فمجرى مرض ما مهدد والدرجة العالية من شدة الصورة المرضية يرفعان بصورة حتمية الإرهاقات والمتطلبات التي ينبغي تذليلها. ومن جهته يرفع ازدياد المرهقات Stressors المرتبطة بالمرض خطر فشل مساعي التأقلم وبهذا يرفع من جهته احتمال ظهور شذوذات سلوكية. و قد أجرى والكر و آخرون Walker et al. دراسة على أسر تملك أطفالاً أسوياء استخدمت كمجموعة ضابطة. وقد ظهر أن خبرة الإرهاق العامة لا تختلف مبدئياً في تلك المجالات من الحياة التي لم تكن متأثرة بصورة مباشرة بالمرض عند الأسر التي تمتلك أطفالاً مرضى بمرض مزمن و التي تمتلك أطفالاً أصحاء. إلا أن الأسر التي تمتلك أطفالاً مرضى بمرض مزمن شعرت بالتهديد من خلال الإرهاقات الشديدة المتعلقة بالمرض. وعليه فالأسر التي يعاني أطفالها من التليف الكييسي كانت واقعة تحت ضغط المعرفة القائلة أنه في النهاية ليس هناك من إمكانية شفاء متوفرة.

 

  1. الإرهاقات والمتطلبات المتعلقة بالمرض

يحتل الإلمام الدقيق بعوامل الإرهاق ومتطلبات العلاج التي يواجه بها الطفل المريض بمرض مزمن أهمية مركزية بالنسبة للعمل في مجالات طب الأطفال. ويأخذ العرض المفصل في جدول (2) الذي يستعرض هذه الإرهاقات من منظور المقطع العرضي Cross-section هذا بعين الاعتبار.

 

 

جدول (2): الإرهاقات والمتطلبات النفسية الاجتماعية المرتبطة بالمرض عند الأطفال واليافعين المرضى بأمراض مزمنة

مواجهة متطلبات الحياة اليومية

  •  تصميم مجرى حياة يومي وفق متطلبات المرض،
  • الدور الخاص في الأسرة: علاقة تعلق مرتفعة ونمو بطئ للاستقلالية،
  • عمليات مقارنة اجتماعية مشحونة بالصراع مع الأخوة (منافسة، غيرة، حسد، مشاعر ذنب، معايشة التفضيل والظلم في المعاملة)،
  • تقييدات في التحصيل الدراسي،
  • مشكلات اندماج في جماعة الصف،
  • المواجهة مع الأحكام المسبقة للسكان،
  • تقييدات النشاطات الرياضية،
  • تقييدات عند تخطيط العطلة.

الإقامة في المستشفى

  • الانفصال عن أشخاص الإطار المرجعي و المحيط المألوف.
  • المواجهة مع الجهاز الطبي،
  • تقييدات في جو الألفة والمودة.

متطلبات العلاج

  • الانضباط المستمر في إطار التعاون العلاجي: قياس سكر الدم، حقن الأنسولين (في السكري)، استنشاق مستمر (في الربو)، تناول مستمر للأدوية (الربو، الصرع)،
  • تحمل الإجراءات المؤلمة والمتكررة: الحقن اليومية أو السحب اليومي للدم (في السكري، الناعور، السرطان) التخزيم الأبري Punction [5] (السرطان)، القسطرة القلبية (في أمراض القلب)، التنظير بالمجواف (في الأمراض المعدي معوية)،
  • تقبل التأثيرات الجانبية الجسدية أو العقلية أو الجمالية العلاجية (الكورتيزون في الربو أو في التحسسات الجلدية أو نتيجة نقل الأعضاء، الإقياء، الغثيان من خلال العلاج الدوائي في أمراض القلب)،
  • تعديل سلوك التغذية والحفاظ على قواعد الحمية (السكري، الإعاقة العقلية الناجمة عن خلل استقلاب الفينيل، التليف الكييسي، التحسس الجلدي، الربو التحسسي من الأغذية، القصور الكلوي،
  • المراقبة  الدائمة للحالة الجسدية الذاتية (نقص السكر في السكري، الميل للنزف في الناعور، انسداد مجاري الهواء في الربو، الأعراض النذيرية في الصرع)،
  • التعاون في المراجعات الدورية التي يمكنها كشف تفاقم المجرى (وظائف الرئة في الربو) في مخططة القلب الكهربائية في الأمراض القلبية الوعائية، في مخططة الدماغ في الصرع، في الفحوصات المخبرية لدى مرضى الديلزة، السكري، أمراض السرطان)،
  • العملية الجراحية (في عيب القلب الولادي) أو نقل الأعضاء (الكلية، الكبد، الرئة).

تنمية مفهوم الذات والكفاءة الاجتماعية

  • عدم تزامن النمو الاجتماعي و الحركي والذهني والانفعالي (كأمراض العضلات، نقص النمو)
  • تضررات تصويرة الجسد،
  • وضوح المرض أمام الملاً (فقدان الشعر من خلال العلاج الكيماوي أو في استئصال الأعضاء في أمراض السرطان، الاعتماد على الكرسي في أمراض العضلات المتقدمة، نقص نمو غير متناسب مع العمر من منشأ مختلف...الخ).
  • الخوف من فقدان السيطرة في الأماكن العامة (نوبات الربو، شذوذات الاستقلاب السكري، نوبة صرع...الخ).
  • مخاطر اجتماعية عند تجلي المرض كما هو الحال عند إخفاء المرض،
  • الحاجة للتطبيع المتلائم مع الحياة اليومية مقابل الحاجة للمراعاة في الضرورات الناجمة عن المرض وضرورات العلاج.
  • النمو المتأذي للجنسية والحميمية.

منظور المستقبل

  •  يقين معذب  حول كون المرء مريضاً طوال الحياة أو اللايقين المَعًذِّب حول عدم الثقة بالتنبؤ بالمرض.
  • تقييد المنظور المدرسي والمهني،
  • ظروف صعبة للتحرر المتناسب مع العمر لمنزل الأسرة،
  • توقعات للتعلق اللاحق بالتمريض،
  • استباق مشكلات زواجية مستقبلية،
  • ظروف صعبة لرغبات الحصول على أطفال  فيما بعد.

مواجهة وجودية مع المرض والموت

  •  المواجهة مع محدودية وانتهاء وزوال الوجود الذاتي في وقت مبكر من الحياة (نوبة ربو، نوبة صرع، إغماء سكري، قلق انتكاسي من أمراض السرطان)،
  • البحث عن "الغاية" المتمثلة بالمرض التي تبغاها هيئة أعلى (الله، القدر، النصيب...الخ)، والسؤال عن "لماذا؟" أو "لماذا أنا بالتحديد؟".
 

 

 

  1. إرهاقات المرض والمهمات النمائية

لا يؤثر عدد كبير من الإرهاقات المذكورة في جدول (2) بصورة مباشرة على الطفل المريض وإنما يتجلى تأثيرها عندما تتضرر مواجهة المهمات النمائية المتوقعة مع العمر. ففترات الإرهاق نفسها الناجمة عن الأمراض المزمنة تقود إلى مخاطر نمو مختلفة وذلك حسب مستوى النمو القائم عند الطفل المعني. وسوف نقوم بعرض التأثيرات المتبادلة في مجرى المرض ومهمات النمو القائمة من خلال مثال حول السكري بالنسبة لمراحل نمو الطفل الصغير وطفل التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية)واليافع. إذ يتصف علاج السكري في كل مراحل النمو بالدرجة نفسها بالقياس المتكرر و المؤلم للدم وحقن الأنسولين والحفاظ على سلوك حمية محدد. ووفق تصورات سلوكية راهنة يمكن لما يسمى بتوجيه الحمية أن يفهم كشكل من التنظيم الذاتي. فالقدرة الفيزيولوجية للعضوية لملائمة سكر الدم بصورة مستمرة مع شروط المحيط الداخلية والخارجية قد ضاعت من خلال فقدان الإفراز العفوي للأنسولين. ومن هنا ينبغي تعويض تحقيق التوازن عند مرضى السكري من خلال أنماط السلوك المنظمة والملتزمة. وهذه المسؤولية من تحقيق التوجيه المستمر في الحياة اليومية يفوض بها الطبيب الوالدين. وهؤلاء يسعون ومع المستوى المتزايد من النمو للطفل يسعون بدورهم إلى نقل أجزاء من هذه المهمة في الحفاظ على الحمية المعقدة إلى طفلهم المريض.  وتحمل المتطلبات المتمثلة بالحمية فترات إرهاق خاصة ومخاطر نمو في طياتها وذلك حسب سن ومستوى نمو المريض اليافع.

 

  • سن الطفولة حتى ما قبل المدرسة: يتحدد طور نمو سن الطفل الصغير بصورة أساسية بنوعية سلوك الارتباط بين الوالدين والطفل. ففي هذا الوقت يلعب التقبل الانفعالي من خلال الوالدين دوراً مهماً من أجل خبرة قيمة الذات اللاحقة باعتبارها خبرة الكفاءة الذاتية. إن خبرة التقبل لا تنجم عند الطفل الصغير كثيراً عن الرسائل اللفظية وإنما من النشاطات المشتركة التي يتم القيام بها مع الوالدين بطريقة مشبعة. إلا أن إجراءات العلاج اليومي المتكررة لقياس سكر الدم وحقن الأنسولين يمكنها أن تعيق نمو سلوك الارتباط السليم. ويمكن للقرب الجسدي و النشاطات المشتركة مع الأم التي ينبغي لها أن تبث للطفل الارتباط والتقرب أن تصبح في هذا الطور مهددة بل ومقيتة من خلال الإلحاق المتكرر والفعال للألم. حتى أن هانسون و أونيكول-روس يستخلصان نتيجة مفادها أن هذا الفقدان الذي يعيشه الطفل المصاب بالسكري ذاتياً للتقبل الأمومي يجعله ذا استعداد لاحق للإصابة باضطرابات السلوك أشد من المرض الأساسي نفسه. ويمكن لمواقف الانفصال على أساس من الإقامة في المستشفى أن تفاقم مثل هذه الزعزعة لسلوك العلاقة بين الطفل والأم. وفي هذه السن المبكرة بالتحديد لا بد من الذهاب من أن نقص وضوح الإشارات الأمومية للطفل تجعل الطفل لا يستطيع فهمها وتمثلها استعرافياً. من ناحية أخرى يخبر الطفل ما يتنافر مع هذا الرفض المخمن من خلال الملاحظة المكثفة واليقظة الدقيقة من قبل الأم التي لا تترك الطفل يغيب من أمام ناظريها بسبب الخوف من حدوث حالات مفاجئة من نقص السكر. واليقظة الهادفة للأم ضرورية في البدء بهدف تقييد تأرجحات سكر الدم. أي أن هذا السلوك يمكن أن يتعمم بسهولة في التفاعلات اليومية على مجالات الحياة "السليمة" التي يفترض لها في الواقع ألا تكون قد تضررت من خلال المرض. وهكذا تنمو بصورة ابتدائية تعلقية مرتفعة يمكنها أن تعيق نمو استقلالية الطفل اللاحقة وثقته في مهاراته الذاتية. بالإضافة إلى ذلك لا تتصرف الأم بصورة واضحة ذلك أنها تتأرجح بين مشاعر الذنب، إما لأنها تسبب المعاناة بصورة فاعلة لطفلها من خلال الوخز أو من ناحية أخرى من خلال تعريض حالة الاستقلاب إلى خطر مضاعفات أخرى إضافية.

وترفع الإشارات الإيمائية والتعبيرية الموجهة بالخوف التي تبثها الأم بصورة ضمنية عند مراقبة الاستقلاب من زعزعة سلوك الطفل الصغير. وبما أن الطفل ما زال لا يمتلك بعد تصورات تفريقية حول المرض والعلاج على أساس من نموه المعرفي، تصبح هذه الإشارات غير اللفظية حوامل معنى ذات أهمية بالنسبة للطفل. وفي مثل هذه المواقف من العلاج والمراقبة تكمل سيرورات Processes التعلم وفق نموذج تبني الموقف الأساسي القلق وغير الواضح للوالدين. وقد قادت دراسة طولية لفترة سنوات ست إلى دلائل تفيد بأن التمثل البدئي لتشخيص السكري يكون مسؤولاً عن نوعية إدارة الحمية اللاحقة.

  • طفل المدرسة الابتدائية: يتسع مجال الاتصال والاهتمام عند الطفل مع دخوله للمدرسة بصورة كبيرة. وتتمثل المهمات النمائية للنمو في اكتساب الكفاءات الاجتماعية اللازمة لذلك ووعي القواعد و دوافع الإنجاز. ومن هنا يمكن أن يستخدم التفهم النامي لعلاقات الأسباب والنتائج من أجل إثارة أو حتى التظاهر بحالات نقص أو زيادة السكر من أجل أن يغير الطفل القواعد الأسرية لصالحه. وهنا يستفيد الطفل من خبرات المدى الذي يقلق فيه الوالدين من جراء القيم السيئة للسكر ويعدون بالمكافأة كي يكسبوا الطفل من أجل تعاون أفضل في العلاج. ويمكن للمواجهات الفائدة إلى الحفاظ على القواعد اليومية أن تتمركز بهذا في مجال السكري بصورة مطردة وأن ترهق سلوك التواصل الأسري. وقد تمكن بوبرو وآخرون Bobrow et al. من إثبات أن التعاون العلاجي للبنات المصابات بالسكري كان منخفضاً جداً، إذ ما كانت الصراعات المتكررة تطغى على التواصل مع الأم. وقد ترافق التواصل القائم على إيجاد الحلول مع الأم مع درجة مرتفعة من المطاوعة Compliance. بالإضافة إلى ذلك يشعر طفل المدرسة بأن النصائح الكثيرة والتحذيرات من قبل الوالدين وأشخاص الإطار المرجعي الآخرين مزعجة ودليل على الكيفية التي يعامل بها وكأنه ما زال طفلاً صغيراً غير مستقل. وفي الواقع فإنه غالباً ما يكون أطفال سن التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية)محملين فوق طاقتهم من خلال الإدارة المعقدة للسكري التي تتطلب تفكيراً مجرداً. ومن الممكن عندئذ أن يخفي الطفل شذوذ الاستقلاب لديه لإخفاء إرهاقه الذاتي وكذلك لحماية الوالدين من خبرة فشلهم في تربية ورعاية صحة ابنهم. و عليه فقد تمكن وايست وآخرين Weist et al.  من البرهان تجريبياً بأن الجو الأسري الذي يتم فيه تصميم وضبط إدارة السكري بمقدار عال من قبل الأسرة يترافق بتحسن واضح عند أطفال سن التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية) في حالة الاستقلاب. ومن هنا فهم ينصحون بالاستراتيجيات التالية بالنسبة لهذه المجموعة العمرية:
    1. ينبغي أن تستمر المراقبة الأسرية لعلاج السكري حتى سن اليفوع،
    2. ينبغي عند طفل التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية)العمل على أن يتفهم لزوم ممارسة الراشدين الأكفاء المراقبة حول سلوكه المتعلق بالسكري،
    3. ينبغي للطفل والوالدين في سن التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية) التباحث مع بعضهم حول ماهية إجراء العلاج وفي أي وقت يمكن أن تنتقل تلك الإجراءات إلى مجال مسؤولية الطفل.
  • اليافعون: يشكل بناء مشاعر قيمة ذاتية إيجابية في إطار التفاعلات مع مجموعات الأتراب إحدى المهمات النمائية الملحة. وهنا تحتل تنمية تصويرة جسد رياضية جذابة وسليمة مركزاً أساسياً. وتتضمن المعرفة حول الإصابة الذاتية بالسكري ومتطلبات العلاج خطراً عند مواجهة هذه المهمة النمائية. ويمكن لخبرة العجز القائمة على الجسد أن تضر بالثقة بالنفس في التعامل الاجتماعي مع الأتراب بصورة عامة وفي التعامل مع الاتصال الجنسي الغيري الأول بصورة خاصة. ويمكن لانتظام إجراءات القياس والحقن أن تتعارض في مجرى اليوم مع وقت الفراغ (كالحفلات الطويلة في نهاية الأسبوع). فقد درس دي لاماتر و آخرون De Lamater et al. التأثيرات الموقفية لسلوك الحمية عند يافعين مصابين بالسكري واستنتج بأن خرق قواعد الحمية يحصل بصورة خاصة في المدرسة و في لقاء الأصدقاء و في زيارة المطاعم المشتركة. و السمة المشتركة المميزة لهذه المواقف بالنسبة لليافعين تتمثل في ارتفاع الضغط الاجتماعي من أجل سلوك تغذية مريح، الذي يتم الخضوع له على حساب إدارة السكري، وكذلك في أن مظهر السكري "الخفي" في العادة يصبح ظاهراً للعيان عند القياس والحقن أمام الناس، ويتناقض مع الحاجة الطبيعية لليافع في هذه الفترة من السن إلى التطبيع داخل مجموعته المرجعية. وتقود طقس العلاج إلى رؤية "اختلافه" التي تتكرر باستمرار. وتقيد هذه الطقوس السعي لتمثيل نفسه باعتباره سليم جسدياً وغير متضرر. ويزداد لدى اليافعين المصابون بالسكري مواجهة المهمات النمائية،المتمثلة في تحقيق الانتماء للمجموعة أو في تنمية استقلالية بشكل إضافي، صعوبة من خلال أنه قد يكون عليه أيضاً أن يتخلص من الحكم المسبق المتمثل في أن الأمر يتعلق باستهلاك المخدرات. وتصعّب العوائق الاجتماعية و الكفاءات الاجتماعية غير الكافية عند اليافع المصاب بالسكري  من مهمة جعل متطلبات العلاج متوافقة مع الحاجة للاندماج الاجتماعي. وقد أمكن إثبات هذا التشابك الوثيق بين عوامل الكفاءة الاجتماعية و حالة الاستقلاب في دراستين: فقد تمكن غروسمان وآخرين Grossmann et al. من إثبات وجود علاقة إيجابية بين توقعات الكفاءة الذاتية و نوعية الاستقلاب. ومن جانب آخر وجد كوتنر و آخرون Kuttner et al. ارتباطاً بين خبرة اليأس المتعلم (قلة الحيلة المكتسبة) والقيم السيئة للسكري. ومن هنا يمكن لتدريب تحسين الكفاءة الاجتماعية الموجهة إلى مواجهة مواقف الصراع النموذجية لليافع المصاب بالسكري أن يجعل التعاون العلاجي في صورة مثلى ومن ثم أن يحسن في النهاية من التنبؤ بالمرض الأساس. إلا أن توجه اليافع المصاب بالسكري نحو مجموعة أترابه لا يؤثر بصورة معيقة على التعاون العلاجي فقط. وقد تمكن لاغريسا La Greca من البرهان بصورة إضافية أن الصداقات الفاعلة تشكل مصدراً غير قليل الأهمية للدعم الاجتماعي. وهنا تختلف أشكال المساعدة من الأسرة ومحيط الأصدقاء أو تكمل بعضها. ففي حين أن الأسرة تقدم مساعدة ملموسة كما هو الحال في حقن الأنسولين يقدم الأصدقاء الحميمون الدعم الانفعالي الذي لا يقل أهمية من خلال تقبل السكري و الحفاظ على مزاج تفاؤلي وموقف مؤيد للحياة. وكما هو متوقع ترتفع مع التقدم في العمر ومن خلال مجرى المرض المعارف المتعلقة بالمرض والمهارات المتعلقة بالعلاج عند اليافع المصاب بالسكري. بالمقابل وعلى العكس من ذلك فإن التعاون العلاجي ونوعية خالة الاستقلاب لا تتحسن في المراهقة. وقد تمكن جونسون وآخرون Johnson et al. من خلال دراسة كبيرة على 168 يافع مصاب بالسكري من إثبات أن التعاون العلاجي في مجالات حقن الأنسولين و السلوك الحركي المناسب وإجراءات الحمية قد تراجعت مقارنة بالأطفال الأصغر. وكنتيجة لهذا تسوء متغيرات الاستقلاب في علاقتها بالسن أيضاً. ويمكن أن تسهم في هذه التضررات المتعلقة بالعمر للتعاون العلاجي عوامل انفعالية ومعرفية إلى جانب تأثيرات الضغط الاجتماعي مع مجموعات الأتراب. وقد تمكن بلانز ولآخرين Blanz et al. من استنتاج أهمية رضا مريض السكري اليافع عن الرعاية الطبية والعلاقة مع المعالج بصورة خاصة إلى جانب عوامل المعرفة الكافية وقناعات الضبط الداخلية.

 

  1. تطوير تصورات ذاتية حول المرض والعلاج

يقدم النمو الاستعرافي فهما للكيفية التي تتشكل فيها تصورات المرض والعلاج في سن الطفولة. وهكذا يتأثر سلوك المواجهة عند الطفل المريض بمرض مزمن بصورة حاسمة بالتصورات الانفعالية الاستعرافية التي يحاول بمساعدتها تفسير وضعه المرضي. و قد خلصت دراسات تجريبية مختلفة إلى الكيفية التي تتمايز فيها التصورات التالية:

  1. مفهوم الجسد: بناء وطريقة وظائف الجسد.
  2. مفهوم المرض: أسباب وتقويم الأمراض،
  3. مفهوم العلاج: وظيفة الإجراءات الطبية ودور العاملين في المجال الطبي.

وقد تمكن بيري وآخرون من الإثبات من جديد عند أطفال مصابون بالتهاب المفاصل الروماتزمي من أن تمايز هذه التصورات يمكن التنبؤ به من خلال مستوى النمو الاستعرافي أفضل منه بمساعدة إعطاء العمر الزمني.

 

  • طفل ما قبل المدرسة: يخضع التفكير قبل الإجرائي لطفل ما قبل المدرسة حسب بياجيه إلى تمركزية واضحة. ويرتبط فهمه بالأحداث الراهنة و المجسمة بصورة ملموسة. وقلما يمكن فهم أسباب المرض؛ ويدرك المرض باعتباره متطابق كثيراً أو قليلاً مع الأعراض المحسوسة والأحاسيس الجسدية المترافقة مع الأعراض؛ وطبقاً لذلك يمكن أن يتم فهم غاية العلاج وبصورة خاصة من خلال إجراءات العلاج المعاشة بصورة ملموسة. إلا أن التعاطف مع مواقف العلاج للعاملين الطبيين أو للوالدين ما زال صعباً جداً. فالحقنة تدرك كخبرة ألم حسي وليس كاستراتيجية علاجية حسنة النية. ومن أجل الإيضاح للطفل في هذه المرحلة النمائية بصورة متناسبة مع السن ينبغي عرض الإجراءات التشخيصية و العلاجية والأدوات بصورة ملموسة قدر الإمكان في مجراها الواضح بالنسبة للطفل. ويصعب على أطفال سن ما قبل التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية)إيجاد تفسير ملائم لأعراضهم على أساس من تفكيرهم المحدود حول العلاقة بين السبب والنتيجة. وعندما تكون الإجراءات العلاجية صعبة على الفهم بالنسبة للطفل ولا يظهر نتيجة استخدامها أي تخفيف متوقع للتوعك فإنه يمكن أيضاً أن يستخدم تصورات خارجية عن المرض لتفسير أعراضه، إذ غالباً ما يحصل أن يفسر الأطفال في هذه السن علامات المرض في سياق علاقاتهم الاجتماعية ويخمنون أنهم يعاقبون جسدياً على سيئات يعتقدون بأنهم ارتكبوها. ومن خلال هذه التفسيرات الطفلية ينزاح تموضع الحدث الطبي إلى المستوى الاجتماعي والأخلاقي. ويمكن أن يظهر الشعور بالظلم في العلاج و التعذيب من خلال الحقن. وتظهر هذه التشكيلة عيادياً بسرعة من خلال رفض التعاون العلاجي. و هذا يمكن أن يظهر الاحتجاج الصامت ضد طقوس العقاب المخمنة. إلا أنه يمكن أيضاً أن تعكس موقف الطفل بأن إعادة إصلاح سلوكه الخاطئ يمكن أن يقود فقط إلى الشفاء وليس التناول غير المقيد للأدوية من وجهة نظره. وفي هذه المرحلة العمرية يصعب تحقيق حماية  من التأذي من خلال الإجراءات العلاجية المؤلمة عن طريق محاولة إفهام الطفل معرفياً ضرورة إجراء ما. وفي هذا الطور من النمو تعتبر الثقة بالأشخاص الذين ينفذون الإجراء ويتوقعون تعاون الطفل أكثر أهمية بضرورة العلاج. ويعتبر يقين الطفل بأن الوالدين والأطباء والممرضات المشتركين في العلاج لا ينوون له أية نية مؤذية في الأمور البانية للثقة. 
  • طفل التعليم الأساسي ( المدرسة الابتدائية): في نمط التفكير الإجرائي الملموس لطفل سن التعليم الأساسي (المدرسة الابتدائية)يصبح بالإمكان قلب العمليات التفكيرية (العكوسية Reversibility) و التباعد عن المنظور الخاص (اللاتمركز Decentralization) . ومنذ الآن تتشكل لدى الطفل حدود جسدية واضحة و يفسر مرضه بصورة خاصة من خلال التناول لمواد خارجية  مسببة للمرض (سموم، جراثيم...الخ). وبهذا يصبح من المفهوم أن هذه المواد المسببة للمرض التي دخلت الجسم يمكن صدها من خلال الإجراءات الذاتية أو الطبية. وتسمح القدرة المتقدمة على تبني الرؤى بفهم دوافع الأبوين فيما يتعلق بقرارات العلاج. وعليه يمكن أن يدرك الطفل المصاب بالربو الذي شخصت لديه حساسية تجاه وبر القطط بأن قرار الوالدين ضد الحيوانات المنزلية لا يقوم بصورة عشوائية وإنما يأخذ هذا القرار صحة الطفل بعين الاعتبار. وضمن شروط بناء علاقة موثوقة يمكن في هذا الطور من النمو تحقيق تقدير واقعي للدور والمهمات الطبية و التمريضية. بالإضافة إلى ذلك يبقى بناء العمليات المنطقية لفهم المرض و العلاج مدركاً بصورة حسية إلى مدى بعيد. ومن هنا فإنه من السهل جداً توضيح المتدخلات الجراحية ككسر الساق أكثر من ضرورة تناول الأنسولين غير القابل للفهم إلا بصورة مجردة من مرض السكري. و عليه فإن نموذج التفسير بالنسبة للطفل المصاب بالسكري في سن المدرسة الابتدائية يكون أكثر وضوحاً إذ ما انطلق من حالات نقص السكر الملموسة جسدياً الذي يسيطر عليه من خلال سلوك تغذية وحركة وحقن متوالف. لقد تم في العقدين الأخيرين (ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين) تطوير برامج مدرسية لهذه المرحلة النمائية مع كثير من الخيال، تهدف إلى نقل المعارف العلاجية المجردة فيزيولوجياً إلى مواد إيضاح تعليمية مصممة وفق الشروط المعرفية للأطفال المرضى بأمراض مزمنة (قارن فصل بيترمان وفيديبوش في هذا الكتاب).
  • الأطفال بعد سن الحادية عشرة: في المرحلة الإجرائية الشكلية التي تبدأ في سن الحادية عشرة تقريباً يقترب التفكير الطفلي شكلياً من تفكير الراشد، وإن كان مازال أكثر تقييداً فيما يتعلق بالمدى المضموني للمعرفة. وهنا يستطيع التفكير أن يتحرر من النماذج المجسمة ويقوم بحركات مجردة نحو المفاهيم. ومن هنا يكون من حيث المبدأ منفتحاً على العلاقات الفيزيولوجية و الفيزيونفسية البسيطة. ويستطيع الطفل المريض بالسكري فهم أنه يمكن أن ينزلق في حالة من نقص السكر Hypoglycemia إذا مارس كرة القدم مثلاً، بدون أن يكون قد تناول مسبقاً مواد كربونية إضافية. وبالنسبة لإجراءات تأهيل المرضى يمكن استخلاص نتيجة أن التعاون المستمر في العلاج لا يثار من خلال التأثيرات التعزيزية لإجراء العلاج فقط. فالشروط المعرفية محققة هنا من أجل التمكن من فهم تأثيرات أسلوب الحياة الفردي والسلوك الصحي الذاتي على وجود الحالة الجسدية. ومن هنا ترتفع مع هذا المستوى من النمو فرص مبادئ الضبط الذاتي ذات الاتجاه السلوكي بشكل خاص بصورة كبيرة. (قارن فصل بيترمان وفيديبوش في هذا الكتاب).

 

  1.  تقديرات الإرهاق والتأقلم مع المرض

تدفع الإرهاقات النفسية الاجتماعية نتيجة الأمراض و المتطلبات القائمة على نظام العلاج الطفل المريض بمرض مزمن نحو سلوك تأقلم. وسوف نقوم هنا بالاستناد إلى نظرية الإرهاق Stress theory والانفعال لتفسير تنظيم الإرهاقات الموقفية من جهة و سلوك التمثل و والمواجهة عند الشخص من جهة أخرى.

تدفع الإرهاقات الشخص للتصرف؛ و تصرف الشخص من جهته يغير بطريقة ناجحة كثيراً أو قليلاً موقف الإرهاق. وتبرز هنا بصورة خاصة خبرة الإرهاق الشخصية وبصورة أقل المرهقات الموضوعية. وحسب لازاروس يبدأ سلوك تأقلم عندما يصل الشخص المريض بشكل ذاتي إلى التقديرات بأن موقف المرض الراهن يحتوي على تهديد أو على ضرر ممكن أو حتى على تحد على سبيل المثال. فطفل المدرسة الابتدائية مثلاً يمكن أن يدرك عملية تخطيط بالكمبيوتر على أنها مهددة ("هل يمكن أن اختنق"؟)، أن  يعيشها على أنها تحد ("هل سأنجح في البقاء هادئا طوال الوقت"؟).

 

  • سيرورة التقدير الأولية والثانوية: يتألف التقدير المعرفي في سلوك التأقلم من سيرورتين متتامتين: سيرورة Process التقدير الأولية التي تتجه لإدراك الأجزاء المهددة للموقف، وسيرورة التقدير الثانوية الجارية في الوقت نفسه تقريباً والتي تتجه إلى إمكانات المواجهة المتوفرة. ويتألف التقدير الأولي من المركبات التالية:
    1. إلى أي مدى تتطابق المعطيات الموقفية مع الأهداف والدوافع الذاتية؟

وحسب توافق تشكيلة الشخص-المحيط تظهر هذه التقديرات إما من خلال مشاعر الراحة أو من خلال انفعالات "سلبية" للتضرر أو للتهديد.

  1. ما مدى أهمية الأهداف المهددة في الوقت الراهن؟

 ترفع الأهمية من شدة الانفعالات ومساعي المواجهة الناجمة (أهمية الهدف).

  1. ما هي الحاجات المعرضة للخطر بصورة مباشرة من خلال الإرهاقات؟

تقوم سمات الإرهاق المعنية على معنى الدوافع المختلفة كمياً (كتهديد التقبل من الأتراب). و تتجه سيرورة Process التقدير الثانوية بالمقابل إلى الموارد و إمكانات السلوك التي يمتلكها الشخص لتنظيم التهديد المدرك. وهذا التقدير الثانوي يشتمل على أربعة مكونات بصورة أساسية:

  1. عزو مسؤولية الإرهاق ومن ثم اختيار نقطة انطلاق ممكنة من أجل التأثير،
  2. الطاقة التأقلمية المتجهة للمشكلة التي تستند إلى تلك الإمكانات التي يمكن بمساعدتها إرجاع لحظات الإرهاق من خلال التأثير الفعال ثانية للتطابق مع الحاجات الخاصة.
  3. طاقة التأقلم المتجهة إلى الانفعال، وتتم فيها محاولة التلاؤم مع التهديد من خلال تعديل بين نفسي للقناعات الذاتية و الحاجات وتصورات القيم.
  4. التوقع فيما يتعلق بالأحداث المستقبلية التي يمكن أن تغير من الإرهاقات وربما يؤمل فيها تحول عفوي نحو الأفضل.

 

  • أهداف سلوك التأقلم: وفق كوهين ولازاروس يمتلك سوء التأقلم الأهداف الخمسة التالية:
    1. تخفيض التهديد،
    2. فرص للتعلم على مواجهة المرهقات بصورة أفضل،
    3. تثبيت مشاعر إيجابية لقيمة الذات،
    4. الحفاظ على توازن انفعالي،
    5. ترسيخ علاقات اجتماعية مقبولة،

       وتواجه التقديرات الأولية و الثانوية هنا شدة ونوعية الانفعالات التي ترافق سلوك التأقلم أيضاً. وكل واحدة من الإرهاقات والمتطلبات المتعلقة بالمرض (قارن جدول 2) قادرة على دفع هذا التأثير المتبادل لسيرورات Processes التقدير الأولية والثانوية عند الطفل المريض بمرض مزمن. وهنا يمكن في البدء لمهمات نمائية "بعيدة عن المرض"، أي لمهمات نمائية معيارية، أن تتكثف من خلال سياق مرض مزمن موجود من خلال تهديده. وهنا يمكن للنسبة بين التهديد المدرك وإمكانات المواجهة المدركة أن تتباين بشدة من خلال عوامل الإرهاق المختلفة. وطبقاً لذلك فإنه تتم السيطرة على بعض الإرهاقات بصورة مستقلة في حين أن إرهاقات أخرى تقود لإخفاقات متكررة. وفي ختام سلوك تأقلم يتم إخضاع تهديد الإرهاقات لتقويم جديد. فالطفل الذي خبر أن التخطيط بالكمبيوتر لن يسقط عليه و لن يؤلمه، سوف يدرك في المرة القادمة تهديداً أقل (تقدير أولي) ويعيش مهاراته في التعامل مع هذا الإجراء بأنها قد تحسنت  (تقدير ثانوي).

- توقعات النتيجة و توقعات الكفاءة الذاتية: يعتبر تعديل ما يسمى بتوقعات النتيجة وتوقعات الكفاءة الذاتية ذو أهمية خاصة بالنسبة لمواجهة الإرهاقات المستقبلية. ويقوم توقع النتيجة في هذا السياق على علاقات من نوع إذا-عندئذ بين سلوك ملموس و النتيجة المتوقعة. ومثل توقع النتيجة هذا يمكن أن يتمثل في أن يتوقع طفل مصاب بالربو عند بدء نوبة ضيق تنفس تخفيف آلامه بمساعدة استنشاق دواء موسع للشعب الهوائية خلال فترة زمنية محددة. وتقوم توقعات الكفاءة الذاتية على قناعة الطفل بامتلاك الكفاءات اللازمة كي يتمكن من تنفيذ سلوك مواجهة فعال بالفعل. وهذا يعني في الأمثلة المذكورة بأن الطفل قادر على تشغيل المشهاق بصورة صحيحة والحصول على الجرعة الصحيحة والقيام بتقنيات تنفس ملائمة.   

 

 

 

 

 

 

5) مراجعة حول التأقلم مع المرض

    يعرض شكل (1) تشكيلة العوامل بين عوامل الخطر المتعلقة بالمرض والإرهاقات النفسية والاجتماعية والمهمات النمائية وبين سلوك المواجهة واضطرابات السلوك الممكنة بصورة إجمالية. وطبقاً لذلك تعتبر من المنظور النفسي سمات مجرى المرض المزمن المعني إلى جانب السمات العيادية للمجرى ذات أهمية، من حيث أنه إذا كان سينجم خطر لاضطرابات السلوك وبأي مقدار. وعلى خلفية سمات المرض ينجم عدد كبير من الإرهاقات النفسية والاجتماعية ومطالب العلاج. وهذه يمكن لها أن تعرِّض مواجهة المهمات النمائية المرتبطة بالسن للخطر بشكل إضافي والتي على الطفل السوي أن ينجزها أيضاً. وتواجه إرهاقات المرض ومهمات النمو الطفل المريض بمرض مزمن بعدد كبير من متطلبات النمو ويتعلق سلوك المواجهة بصورة حاسمة بسيرورات Processes التقدير المعرفية التي يتم من خلالها اختبار تهديد الإرهاق و إمكانات المواجهة الكامنة أيضاً. ووفق مستوى النمو المعرفي المحقق للطفل تغطى هذه التقديرات بتصورات خاصة متعلقة بالمرض. ولا يخفض سلوك المواجهة الكفء والناجح الإرهاقات الملموسة فحسب، وإنما يقود إلى تقدير جديد لتهديداتها المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك تتم ملائمة توقعات النتيجة وتوقعات الكفاءة الذاتية مع خبرات التلاؤم المكتسبة حديثاً. وكلما توصل الطفل المريض بمرض مزمن في توقعاته الذاتية بصورة أكثر وأكثف للتقدير بعدم قدرته على السيطرة على الإرهاقات كان خطر اضطرابات السلوك في النهاية أكبر.

 

 

 

  1. مواجهة المرض في الأسرة

تتم مواجهة مرض مزمن في السياق الأسري عادة. وفي مراجعة لباترسون Paterson استخلص أربعة مظاهر نمطية يمكن من خلالها رؤية العلاقة بين الظروف الأسرية ومواجهة المرض.

  • الأسرة كعامل مسبب أو محافظ على سيرورة المرض،
  • الآثار النفسية والاجتماعية للمرض و العلاج على حياة الأسرة المشتركة،
  • الأسرة كحلقة وصل تواصلية بين الطفل المريض و الجهاز الطبي العلاجي،
  • الأسرة كوسيط لتنشئة اجتماعية لسلوك المواجهة عند الطفل.

 تمتلك الأسرة وبصورة خاصة الأبوين وظيفة قدوة وتوجه مهمة سلوك المواجهة عند الطفل. ويمكن تحليل سلوك المواجهة الأسرية من المنظور نفسه الذي يحلل وفقه سلوك المواجهة الفردي عند الطفل المريض بمرض مزمن.

 

  1. الوظيفة الداعمة للأبوين بالنسبة للطفل المريض

مبدئياً يمكن لكل إرهاق من إرهاقات المرض المتنوعة ولكل  مطلب علاجي التي يواجه بها الطفل المريض بمرض مزمن (قارن جدول 2)، لأن يدفع الوالدين للقيام بمواجهة داعمة. وهذا يصح بصورة خاصة عندما يكون الطفل محملاً فوق طاقته من خلال كفاءاته. فالأطفال الذين يحظون بدعم الأسرة بصورة مناسبة يظهرون القليل من ردود الفعل الاكتئابية. فإذا لم تكن الأسرة من ناحيتها تمتلك موارد كافية أو دعم اجتماعي خارجي من أجل التنظيم الناجح للإرهاقات فإنه تنبع الحاجة هنا إلى الإرشاد النفسي الأسري.

والأسرة بداية هي المختصة بكل المطالب و الإرهاقات و حالات الأزمة المرتبطة بالمرض، طالما هذه غير مغطاة من قبل الغير. أما القوى المتخصصة المختلفة المشاركة بصورة مهنية فهي مسؤولة دائماً عن مقطع محدد من سيرورة العلاج المعقدة "فقط" (أدوية، تنفيذ التمرينات الرياضية للمرض، إرشاد نفسي اجتماعي، برنامج الحمية...الخ). ويمكن للمعالجين في كل وقت –مثلما هو الحال في حالة الصراع مع الأسرة أن يرجعوا دائماً  إلى هذا المقطع وذلك بأن يعتمدوا على صورة مهنتهم أو عقدهم العلاجي. بالمقابل لا يستطيع الوالدين تأدية واجباتهم (التنظيم، المواساة، التطمين، المراقبة ...الخ) إلا إذا تم أخذ المخاطر خطر ارتفاع المضاعفات الطبية أو الصراعات النفسية الاجتماعية في الوقت نفسه.

 

  1. مخاطر عملية التربية

على والدي الطفل المريض بمرض مزمن أن يوازنا بين سلوكهما التربوي بشكل مرهف الحس، من خلال تحديديهما لماهية المتطلبات و الإرهاقات التي سيتحملونها من خلال التصرف بالنيابة عن الطفل وأيتها هي التي سيتركونها ضمن مسؤوليته الذاتية، أو كيف سيحافظون على الطفل في عملية حل مشتركة للمشكلات. وهنا تخضع عملية التربية عند الطفل المريض بمرض مزمن إلى خطر الإهمال أولاً وخطر فرط الرعاية ثانياً والمساعدة الخاطئة ثالثاً.

 

  1. الخطر الناجم عن الإهمال وفرط الإرهاق

هناك خطر من أن يحيل الوالدين الطفل في مخاوفه و أزمته إلى مسؤوليته الخاصة بصورة فظة، ويمتنعون عن تقدير الدعم اللازم له. عندئذ يفتقد الطفل في مواجهته مع المواقف المرهقون في مجال سيرورة التقويم الثانوية إلى القناعة بأنه يستطيع الاعتماد على الدعم و المساندة الاجتماعية للوالدين. فإذا ما لم يعد الطفل عندئذ يمتلك المهارات الكافية من قوته الذاتية فإن مساحة إمكانات مواجهته تتضيق (قارن شكل 1). وعلى المدى البعيد يقوم خطر انخفاض قناعات الضبط المتعلقة بالمرض لديه ويعوض سلوك المواجهة القائمة على المشكلة بالتدريج سلوك تجنب وإنكار منظمين للانفعال.

وغالباً ما يرتبط خطر الصد والإهمال الأسري هذا مع أن الأسرة لا تقوم بالاستعلام بدوافع ذاتية بصورة كافية حول المرض وضرورات العلاج أو أنها تحمل فوق طاقتها في فهمها للإرشادات الطبية. إلا أنه يمكن كذلك في هذا الأسلوب من التربية أن يتعلق الأمر بظهور ميل فعال عموماً لإهمال الطفل.

 

 

  1. خطر فرط الرعاية

غير أنه غالباً ما يكون الطفل المريض بمرض مزمن معرضاً لخطر النمو العكسي الذي تتشكل فيه فرط الرعاية الأسرية ممزوجة بعدم ثقة سلوك الطفل. فالطفل يستثير لدى الوالدين التعاطف العفوي وذلك من خلال تقييداته و الحرمان المرتبط بالمرض ومن ثم من خلال حاجاته الخاصة التي تترافق مع ذلك ويظهر لهم في سلوكه بأنه خجول ومحتاج للمساعدة وحزين، وبين الأتراب موصوم ومعزول وغير قادر على توكيد ذاته اجتماعياً. ومن أجل حماية الطفل تتولى الأسرة عنه مهمة حل الصراعات الاجتماعية ومتطلبات نظام العلاج أكثر مما ينبغي. وبهذا يتم أخذ مسؤولية تنظيم الإرهاقات اليومية عند الطفل. ويطور الطفل بصورة متزايدة الشك بالذات. وفي مجال تقديراته الثانوية تسيطر عليه على المدى البعيد إمكانات مواجهة تتمركز في حالة الصراع بصورة متزايدة الاطراد على الاستنتاج السريع قدر الإمكان للمساعدة الخارجية. فإذا كان هذا الدعم غير متوفر موقفياً، تنتج مشاعر مفرطة من الإرهاق لا يمكن تنظيمها انفعالياً إلا من خلال المطالبة الشديدة بالمساعدة الأسرية. وبالنسبة للوالدين يشكل هذا الموقف من جهته برهاناً كافياً بأن طفلهم بدون وجودهم ورعايتهم المؤكدة غير قادر على مواجهة إرهاقاته. وقد أمكن إثبات هذا النمط من التفاعل تجريبياً بالنسبة لربع اليافعين والأطفال المصابين بالربو. ومن هنا تثبت هذه النتائج و جود سلوك تربية يتبع إلى مدى بعدي النموذج المسؤول عن تشكيل السلوك غير الواثق اجتماعياً.

 

3- الخطر الناجم عن المساعدة الموجهة بطريقة خاطئة

في نموذج يصف أسلوب التفاعل السلبي المستفحل بين الطفل المريض بمرض مزمن و الوالدين قدمه أندرسون و كوين Anderson & Coyne  يصفان مجرى النمو هذا بأنه سيرورة المساعدة الفاشلة miscarried helping  وكان منطلق تحليلهم هو ملاحظة أن الوالدين يبدأان من استعداد حسن النية وصادق للدعم بعملية Process تفاعل مع طفلهم تقود في النهاية إلى تضررات سلوك المواجهة الطفلي. وتجري هذه العملية في خمسة أطوار:

  • مع التشخيص: حيث يعهد الطبيب للوالدين أن يصبح شغلهم الشاغل التنفيذ المتساوق للإجراءات العلاجية في الحياة اليومية.
  • يبدي الوالدين الاستعداد لتحمل هذه المسؤولية؛ إلا أنهما يشعران في الحياة اليومية ما يتطلبه ذلك منهم من التزام ودقة أيضاً،
  • تولد المراقبة الأسرية للعلاج لدى الطفل الشعور بأنه مراقب ومقيد. إنه يشعر بأنه مقيد في اختياره بصورة زائدة.
  • ونتيجة لبعض الإهمال في التعاون العلاجي للطفل يرفع الوالدين من توقعات سلوكهم ويهددون بالعقاب، وتحدث إعادة تعريف معرفية تدريجية للموقف. ومنذ هذه اللحظة يتم التباحث حول الموضوع الأساسي لتنفيذ الإجراءات العلاجية باعتبارها موضوع "القرار الذاتي أو موضوع الآخرين" بالنسبة للطفل. ومن أجل الحفاظ على حرية اختياره ومشاعر قيمته الذاتية يمتنع الطفل عن التعاون بصورة أكثر وضوحاً. وهنا يفترض الوالدين أن الطفل غير قادر على تحمل المسؤولية بصورة كافية فيما يتعلق بحالته الصحية. ويستنتجون أنه يحتاج إلى مراقبة أكثر كثافة لضمانة العلاج. و من جديد  يعيش الطفل ذلك على أنه دليل على فقدان الثقة والاحترام الوالدين.
  • في النهاية يتصاعد الموقف عندما يدور التفاعل في دائرة مستمرة بين متطلبات الوالدين و التهديدات من الجهة الأولى والاحتجاج الطفلي و المقاومة من الجهة الأولى والاحتجاج الطفلي والمقاومة من الجهة الأخرى. ويشبه هذا الأسلوب من التفاعل نمو السلوك اللاجتماعي. ويتمكن الوالدين من خلال التهديد بالعقوبة الشديدة تحقيق السيطرة على سلوك الطفل إلا أنه على المدى البعيد يقود فقدان الثقة من جانب الطفل إلى ازدياد واضح للسلوك المنحرف و الموقف المثير للصراع.

 

 

  1. الإرهاقات الاجتماعية النفسية للوالدين

وكما يكون الطفل المريض خاضعا للضغط، كذلك يخضع أفراد الأسرة الآخرين لضغط معاش في إرهاقات نفسية اجتماعية وما ينجم عن ذلك من خطر التحمل الزائد فوق الطاقة واضطرابات السلوك. ويتأثر جميع أفراد الأسرة في فرص نموهم الشخصية ككل من خلال الارتباط بسيرورة تغلب الطفل المريض.

  • إرهاقات الوالدين: فيما يتعلق بإرهاقات الوالدين سنذكر الإرهاقات التالية التي يمكن أن تنجم عن المرض المزمن لطفلهم: إرهاقات أسرية إضافية، مشكلات في تنظيم العطلة (الإجازة) تضييق مجال وقت الفراغ، إعادة النظر في مخططات التوجيه المهني، الاعتماد على ثبات وكرم الآخرين عند تحديد الواجبات المهنية ومواقف الانفصال عند الإقامة في المستشفى، تنظيم مواعيد العلاج و المقتضيات البيروقراطية و إعادة تحديد و المساومة على الأدوار البين أسرية، تحمل المسؤولية المشتركة في القرارات الصعبة للعلاج، صعوبات انفعالية في تقبل المرض والإزمانية، الخوف من أزمات المرض المهددة للحياة، فقدان التوجه الديني أو العقائدي.
  • إرهاقات الأخوة: يشكل أخوة الأطفال المرضى بمرض مزمن أو الأطفال المعوقون المجموعة التي يمكن أن يغيب تحميلها بالخطر الاجتماعي النفسي بسهولة عن مجال الرؤية. ففي سيرورة المواجهة الأسرية يمكن هنا للأخوة أن يستجيبوا بحساسية على إزاحة التوازن البين أسري، ويبثون إشارات مطابقة من خلال تنمية اضطرابات سلوك. إنهم يقعون في انقسام بين مراعاة جانب توازن الطفل المريض من جهة وبين الخوف من عدم إدراك حاجاتهم وإحساسهم. إنهم يخافون من ألا تعود حاجاتهم اليومية للرعاية تلقى الاهتمام وأن تعتبر سخيفة مقابل الوضع الحياتي المأساوي للطفل المريض بمرض مزمن. و بما أن التعبير عن هذه الحاجات يلقى العقاب بالفعل أو يبدو ذاتياً على أنه كذلك يوصل الأخوة رسائل انفعالية مطابقة بطريقة أقرب لأن تكون غير مباشرة (سلوك انسحاب، اضطرابات سلوك غير مكشوفة، ردود فعل نفسية جسدية). وقد تمكن تصور حول إرشاد الأسر التي تمتلك طفل مريض بالسرطان يهدف إلى الإشراك الشامل قدر الإمكان لكل أفراد الأسرة في تقييم تجريبي له من إثبات الآثار الشديدة عند الأطفال الأخوة بالتهديد.
    1. سلوك المواجهة الأسرية

تتطلب مواجهة المتطلبات والإرهاقات المتعددة الطبقات من الوالدين مقدار عال من مهارات التنظيم و التواصل الموجهة للخارج وقدرة موجهة نحو الداخل لتنظيم الانفعالات. فإذا ما لم يتمكن الوالدين في المجالات الواسعة من المواجهة المقبولة فإنهم يتعرضون لخطر التضررات الثانوية –بصورة مشابهة لعملية المواجهة الفاشلة عند الطفل-لصحتهم النفسية انتهاء باضطرابات السلوك. وكانت إحدى أكثر السمات المدروسة نوعية العلاقة الوالدية للأطفال المرضى بمرض مزمن أو نسبة الطلاق. وفي حين أنه في دراسات السبعينيات قد تم استنتاج وجود صراعات أسرية بصورة متزايدة، لم تستطع الدراسات المضبوطة من إثبات هذه النتيجة. و حتى في الدراسة التقليدية للانسكي وآخرون Lansky et al. لم يتم التمكن من إيجاد أية نسب طلاق مرتفعة للأسر المعنية. و في دراسة حديثة لم يتمكن كادمان وآخرون Cadman et al. من إيجاد انحرافات وخيمة فيما يتعلق بالسمات والديموغرافية-الاجتماعية للأسر التي تمتلك أطفالاً مرضى بأمراض مزمنة. ويمكن اعتبار الدراسة الطولية لتيمكو وآخرين Timco et al.  حول سلوك المواجهة عند الوالدين الذين يمتلكون أطفالاً مرضى بمرض مزمن بأنها ممثلة وتعتبر كذلك بأنها صالحة بالنسبة لكثير من صور الأمراض. فقد تمكن الباحثون من استنتاج أن الأمهات مقارنة بالآباء يذكرن مقداراً عالياً من الأعراض الاكتئابية على الرغم من أنهن يمتلكن سلوك مواجهة فعال. وتعتبر هذه النتيجة التي تبدو للوهلة متناقضة صالحة بالنسبة لكثير من صور الأمراض. فقد تمكن الباحثون من استنتاج أن الأمهات مقارنة بالآباء يذكرن مقداراً عالياً من الأعراض الاكتئابية على الرغم من أنهن يمتلكن سلوك مواجهة فعال. وتتفق هذه النتيجة التي تبدو متناقضة ظاهرياً مع نتيجة بريستول وآخرين Bristol et al.، وتعد دليلاً على المسؤولية العالية للأمهات بالنسبة لمتطلبات العلاج. ويمكن لهذه المسؤولية العالية أن تقود سواء إلى تمايز معارات المواجهة في أوقات إخفاق المواجهة أو إلى اضطرابات سلوك من النمط الاكتئابي. وقد كانت الاستجابات الانفعالية عند الوالدين مرتبطة بعدم الرضى الفردي عن العلاقة الزوجية كما ترافقت الاستجابات الاكتئابية مع استراتيجيات المواجهة و الإنكار و التجنب.

أما استراتيجيات المواجهة فقد أظهرها بصورة خاصة الوالدين الذين كان إحساسهما بالعافية متضرراً. وكلما عانى الطفل من إرهاقات اجتماعية ونفسية أقل لمرضه شعر الوالدين بتضررات أقل لإحساسهم بالعافية. ووجد لدى الأسر التي تمتلك دعماً مقبولاً من قبل الشبكة الاجتماعية القليل جداً من ردود الفعل الاكتئابية من جهة و بين الأم والأب والطفل المريض بالتهاب المفاصل، ويستنتجون من ذلك أن التأثيرات النفسية يجب أن تستند إلى المستويات الأسرية لسلوك المواجهة.

ودرس تومبسون وآخرون Tompson et al.  عند الأمهات اللواتي يمتلكن أطفاً يعانين من التليف الكييسي العوامل التي تترافق مع مواجهة غير كافية للمريض وجدوا ارتباطاً بمقدار الإرهاقات النفسية الاجتماعية العامة و المتعلقة بالمرض وتوقعات كفاءة ذاتية ضئيلة واستراتيجيات قائمة على المشكلة وعلى الانفعالات أكثر و دعم بين أسري ضئيل ومقدار مرتفع من الصراعات الأسرية.

وقد تمكن كاتساك و آخرون من إثبات الإرهاقات الشديدة للأم بصورة خاصة لدى ثلاث مجموعات بأمراض مزمنة. كما توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن الأمهات  يمكن أن ينمين بصورة خاصة على أساس من الواجبات التربوية و الرعائية ردود أفعال قلق واضطرابات سلوك  اكتئابية

 

  1. عوامل الخطر الأسرية والموارد

تتبدل العلاقة بين تأثير الإرهاقات النفسية الاجتماعية من جهة واضطرابات السلوك من جهة أخرى من خلال عوامل الخطر و الموارد على سلوك المواجهة الأسري. وكثير من عوامل الخطر والموارد الأسرية المهمة متطابقة إلى مدى بعيد مع عوامل الخطر و الموارد الأسرية الموصوفة بالنسبة للاضطرابات النفسية الأخرى. وفي عداد الموارد الأسرية يمكن تعداد:

  1. أسلوب تربية يعلم توجهات سلوكية متماسكة،
  2. تحديد عدد الأطفال في الأسرة إلى حد يبلغ 4 أطفال أقصى حد،
  3. احتياطات اقتصادية و اجتماعية عالية،
  4. إدراك الوالدين أن الطفل يمتلك مزاج نشيط بصورة كافية و مستجيب اجتماعياً،
  5. مشاعر قيمة ذاتية عالية للأم،
  6. سلوك ثابت ومتماسك للأبوين،
  7. علاقات إيجابية بين الأخوة،
  8. علاقة انفعالية إيجابية بالطفل.

 

  1. الدعم الاجتماعي الخارجي

عادة ما تكون الشبكة الاجتماعية للأسر ذات الطفل المريض بمرض مزمن أصغر إلا أنها تكون أكثر تماسكاً فيما يتعلق بكثافة الاتصالات. ويعتبر التقدير الذاتي بالقدرة على تنشيط الدعم الاجتماعي عند الحاجة أهم من مقدار المساعدة المحققة بالفعل.

ومن المنظور الوظيفي يمكن للدعم الاجتماعي للأسر ذات الأطفال المرضى بمرض مزمن أن يأخذ الأشكال الخمسة التالية:

  1. الدعم الانفعالي،
  2. الدمج الاجتماعي وإيصال الشعور بالانتماء،
  3. التعبير عن التقدير الشخصي،
  4. إيصال المعلومات،

 

  1. الموارد البين أسرية

تمكنت دراسات مختلفة من استنتاج أن التبادل التواصلي الصريح قدر الإمكان بين أفراد الأسرة يشكل مورداً حاسماً بصورة خاصة لمواجهة الأسرة للمرض. كما يشكل الموقف المتجه للحاضر الذي تركز فيه الأسرة على مواجهة الإرهاقات الملحة الراهنة، استراتيجية مواجهة ناجحة. وينطبق هذا بصورة خاصة إذا ما تم التمكن بصورة إضافية من بناء منظور مستقبلي طويل الأمد. كما يمكن لتوجهات القيمة العقائدية أو في مقتضى الحال الدينية أيضاً أن تؤثر بصورة داعمة. عدا عن أن سلوك الوالدين الذي تتم فيه معاملة الطفل بغض النظر عن مرضه المهدد للحياة بصورة "طبيعية" قدر الإمكان يقي الطفل من الصراعات البين أسرية. إن مثل هذا الأسلوب من التربية يسهم في تنمية سلوك طويل الأمد ملائم للطفل، لأنه في حالة الشفاء وإعادة التأهيل تسهل العودة إلى التلاؤم مع المعايير المتلائمة مع العمر. بالإضافة إلى ذلك ظهرت في دراسة لبيترمان و آخرين Petermann et al. على أسر ذات أطفال مرضى بالسرطان استراتيجيات المواجهة الإيجابية التالية:

  • كلما تبادل الوالدان التواصل فيما بينيهما بصورة أكثر كثافة كان تواصل الوالدين و الطفل أكثر رضا، وكلما استعلم الوالدين بصورة أفضل عن المرضى و العلاج كان تفهم الأخوة للمرض أفضل.
  • يرفع التوزيع العادل و المتوازن قدر الإمكان للإرهاقات الناجمة عن المرض بيم أعضاء الأسرة التماسك الأسري ويقلل من خطر فرط الإرهاق عند الأفراد.
    1. الإرشاد النفسي الاجتماعي الأسري

يمكن لنتائج الدراسات المذكورة أن تؤسس  لمبادئ المهمات التي تتصدر مقدمة الإرشاد النفسي للأسر التي لديها أطفال مرضى بأمراض مزمنة. وطبقاً لذلك تتمركز الأهداف ذات الأولوية للإرشاد الأسري حول التواصل الصريح وحول خبرات الإرهاق وتوضيح التوقعات فيما يتعلق بتقديم الدعم المتبادل وملائمة الأدوار الأسرية مع المتطلبات الراهنة. وقد خبر والدي الأطفال الذين يعانون من مرض مزمن التأثيرات النفسية الاجتماعية بأنها مفيدة وذلك عندما كانت هذه التأثيرات:

  • تقدم معلومات ومساعدات توجه ملموسة في وقت تمثل التشخيص و لحظات العلاج الأولى،
  • عندما تقدم معلومات جاهزة وبسرعة في مواقف الأزمات وعندما يكون المتخصص النفسي الاجتماعي في وضع تبادل وثيق مع الجهاز الطبي العلاجي.
  • وتتمركز هذه التأثيرات على حشد الموارد الأسرية على شكل مساعدة من أجل المساعدة.
    1. استثارة تنمية النضج

في دراسة بعدية أجراها كوبست Kupst كانت الاتجاهات الأسرية الأساسية نحو التبادل التواصلي المكثف و التوجه نحو الحاضر و التفاؤل طويل الأمد ما زالت قابلة للبرهان بعد ستة سنوات من إعلان التشخيص، أي في الوقت الذي اختفت فيه التهديدات الأزماتية الحادة. لقد ظهر أن الموارد واستراتيجيات المواجهة الشخصية والبين أسرية التي اكتسبت في المواجهة مع إرهاقات المرض قد انتشرت لأبعد من طور المرض باعتبارها خبرات اجتماعية في تاريخ أفراد الأسرة. وتشكل الكفاءات المكتسبة في وقت الأزمة هذا و التوقعات الإيجابية موارد تنظيم مواقف الحياة اللاحقة. ومن هنا لا يمكن لمرض مزمن أن يقيم فقط كعامل خطر لنمو اضطرابات السلوك عند الطفل المعني والأخوة والوالدين. ففي المرض توجد فرص لتنمية فردية متسارعة النضج ولتكثيف العلاقات الوالدية والبين أسرية عموماً بالمقدار نفسه.

 


[1] إضافة من المترجم

[2] ما يسمى بترسيب حمض البيروفيك، الذي هو عبارة مرض وراثي يتمثل في اضطراب بيوكيماوي  في جسم الطفل ناجم عن جين طفري متنح يجول دون عملية التمثل الغذائي للحمض العضوي الفينيل آنين الذي يدخل في تركيب اللحوم والبروتينات، وتحويله إلى حمض التيروسين Tyrosine  لقصور في العصارة الكبدية مما يؤدي إلى زيادة نسبة حمض "الفينيل أنين" ومن ثم ترسيب حمض "الفينيل بروفيك" السام في دم الطفل وبوله، الأمر الذي يعيق النمو الطبيعي للخلايا الدماغية و يؤدي للإعاقة العقلية والصرع. (المترجم).

 

[3] اتباع التعليمات الطبية. 

[4]  بقاء ولادي ظهري لقناة العمود الفقري مفتوحاً في مجال فقرة أو (فقرتين).

[5]  التخزيم الأبري: غرس إبرة الحقنة في الأوعية الدموية أو الأعضاء أو الخلايا أو التجويفات لأخذ عينة فحص أو لحقن أدوية.